بقلم العلامة الجليل والكاتب الكبير فضيلة الشيخ محمد رضا المظفر المعتمد العام لمنتدى النشر تصدير لا شك أن النشاط الفكري الذي حظيت به هذه البلدة العلمية من عهود بعيدة، مضافا إلى ما لها من نشاط سياسي وخلق اجتماعي ونزعة حربية، مضافا ذلك كله إلى مركزها الديني من جهة كونها عتبة مقدسة تضم مرقد سيد الكونين أمير المؤمنين عليه السلام هي مهوى أفئدة ملايين المسلمين وموضوع عناية ملوكهم وأمرائهم من جهة كونها عاصمة دينية هي مرجع تقليد طائفة كبيرة من المسلمين - كل ذلك جعل تأريخها حافلا بكثير من المزايا التي تغري المؤرخين والمتعطشين للبحث بأن يتتبعوا الزوايا المهملة والآثار المبعثرة والخبايا المنسية.
ولكن بقدر ما لهذه البلدة من صور لامعة في تأريخها العلمي يبتدئ من عهد الشيخ الطوسي العظيم المتوفى سنة 460 ه، قد منيت - ويا للأسف - بالغموض في سلسلة حوادثها التأريخية والعلمية بسبب حرمانها ممن يسجل تأريخها وتأريخ رجالها في تلك العصور الغابرة، ولعل السر أن حركتها الثقافية كانت ولا تزال منصرفة بكلها إلى التخصيص بالفقه الاسلامي وما يتصل به، فلم يكن من هم العلماء ولا الأدباء على كثرتهم طيلة تأريخها المجيد هذه الناحية - أعني الناحية التأريخية - فلم يسجل من تاريخ هذه العاصمة الدينية فيما غير شئ يستحق الذكر والعناية، وبقي فيه مجالات للبحث لا تزال بكرا لم تتوفر له المصادر المبسطة غير ما هو مبعثر في الزوايا وبطون الكتب، ومخبيات الآثار والمجاميع وهذا ما يحز في نفس كل من يتطلع إلى الماضي ليفتش عن حوادثه وكل من يهمه أن يسجل سلسلة تأريخها الحافل بجلائل الآثار والأعمال وهنا يتجلى مقدار التبعة الملقاة على عاتق من يقحم نفسه في تسجيل تأريخ هذه