وأما قولها (عليها السلام): " تتربصون بنا الدوائر تتوكفون الأخبار... " فهو اتهام صريح لهم بالتآمر على البيت الهاشمي وجعل نصوص الخلافة وراء ظهورهم، غير معيرين أي أهمية إلا لأفكارهم في إطاعة أولي الأمر منهم لا الذين فرضهم الله ورسوله.
وكذا قولها (عليها السلام): " فوسمتم غير إبلكم، وأوردتم غير شريككم، هذا، والعهد قريب، والكلم رحيب، والجرح لما يندمل، والرسول لما يقبر، ابتدارا زعمتم خوف الفتنة، ألا في الفتنة سقطوا، وإن جهنم لمحيطة بالكافرين... "، ففيه تأكيد على وقوعهم في الفتنة، وانقلابهم على الأعقاب، وأخذهم بالجاهلية الأولى، وهو تفسير آخر لقوله تعالى: * (أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم...) * (1).
وقد كانت الزهراء (عليها السلام) قد قالت في خطاب آخر لها وجهته في بيتها إلى نساء المهاجرين والأنصار قائلة: " أما لعمر الله، لقد لقحت، فنظرة ريثما تحلب، ثم احتلبوها طلاع القعب دما عبيطا، هنالك يخسر المبطلون، ويعرف التالون غب ما أسس الأولون، ثم طيبوا عن أنفسكم، وأبشروا بسيف صارم، وهرج شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فيئكم زهيدا، وجمعكم حصيدا، فيا حسرة عليكم... ".
ولعل قولها (عليها السلام): " يعرف التالون غب ما أسس الأولون " يكاد يكون أصرح من الصريح في ما نحن بصدده من تأصل الأصول من خلال المواقف، وطرح الأصول الإسلامية جانبا لنفس السبب، وذلك ما يجر الويلات ويؤثر على الأصعدة كافة، ومنها حديث الرسول وسنته، فقد نالهما قسط وافر من الضياع والتغيير، الذي تأزم فظهر غبه شيئا فشيئا، وازدادت