مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٤٧ - الصفحة ٢١٩
ومدونات المرحلتين السابقتين التي اختلط فيها الغث بالسمين نتيجة انفصالهما عن العصر النبوي الشريف فترة طويلة سخر فيها معاوية وحزبه جملة من الصحابة لوضع الأحاديث الجمة في فضائل الثلاثة وتكريس آرائهم، مع النيل من خصومه السياسيين بكل ما استطاع إليه سبيلا، ولو بالكذب والبهتان.
ولهذا، فقد أدرك علماؤهم ضرورة البحث الرجالي، فألفوا كتبا في الرجال، وذلك بعد سنة (260 ه‍)، لأن أول من تكلم منهم في الرجال هو شعبة - المتوفى في سنة (260 ه‍) - كما نص على ذلك السيوطي في كتابه " الأوائل " (1)، ثم توالى التأليف الرجالي عندهم بعد هذا التاريخ، كما أدركوا حاجتهم إلى علوم الدراية فظهر أول كتاب لهم وهو " المحدث الفاصل " للقاضي أبي محمد الرامهرمزي (ت 360 ه‍)، ولم يكن كتابه جامعا لعلوم الدراية، ثم جاء بعده الحاكم (ت 405 ه‍) في " مصطلح الحديث "، ثم أبو نعيم الأصبهاني (ت 430 ه‍)، ثم الخطيب البغدادي (ت 463 ه‍) في كتابه " الكفاية "، إلى أن جاء ابن الصلاح الشهرزوري (ت 643 ه‍) فكتب مقدمته الشهيرة في علوم الحديث حتى عد الخاتمة في هذا الباب (2).
هذا هو مجمل نشاط العامة في تاريخ تدوين الحديث وما يتصل به من الدراية والرجال بعد رفع الحظر عن تدوينه، بعيدا عن الإطناب الممل،

(١) راجع: تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام: ٢٣٣.
(٢) عني العامة بمقدمة ابن الصلاح كثيرا، فقد شرحها الحافظ العراقي (ت ٨٠٦ ه‍) وكذلك السخاوي (ت ٩٠٢ ه‍)، واختصرها النووي الشافعي (ت ٦٧٦ ه‍) في كتابه " التقريب " الذي شرحه السيوطي (ت ٩١١ ه‍) في " تدريب الراوي "، كما اختصرها ابن كثير (ت ٧٧٤ ه‍) في كتابه " الباعث الحثيث على معرفة علوم الحديث "، وقد رد فيه على ابن الصلاح في مواطن كثيرة.
(٢١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 224 ... » »»
الفهرست