مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٤٧ - الصفحة ١٩٩
ويلاحظ هنا:
إن تصرف أبي بكر بجمع خمسمائة حديث شاهد على عدم وجود النهي السابق بشأن تدوين الحديث، وإلا لكان ذلك الجمع مخالفا للنهي عنه.
كما إن تعليله إحراق الأحاديث بالنار لم يستند على نهي سابق عن التدوين، بل كان لأجل خشيته من عدم مطابقة تلك الأحاديث للواقع، وخوفه من المشاركة في حمل أوزارها.
وهذا مما لا يمكن قبوله للأسباب التالية:
1 - إن من كان مثل أبي بكر لا يحتاج إلى مثل هذه الطريقة في جمع الأحاديث قطعا، إذ بإمكانه - وهو الخليفة المطاع أمره - أن يوعز إلى كبار الصحابة وأجلائهم وحفاظهم بذلك، ويوكل لهم أمر التحري عن صدق ما يتناقله الناس من الحديث في عصره، ويوكل إليهم مهمة الجمع على غرار ما يروى من أنه جمع المصحف الشريف، ودون بإشرافه.
2 - لو تنزلنا عن ذلك، فإنه لا يحتاج إلى الواسطة في رواية خمسمائة حديث عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، بالقياس إلى فترة إسلامه المبكر، ومن غير المعقول أن لا تكون لأبي بكر مسموعات بلا واسطة من ضمن المقدار الذي جمعه، إذ من البعيد جدا أن يترك ما سمعه بنفسه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ويقتصر على ما سمعه بالواسطة!
فظاهر الحال أنه أحرق مسموعاته ومسموعات غيره، ولا أجد - مع هذا الفرض المقبول - تعليلا في تكذيب الرجل نفسه، ليسوغ له إحراق ما
(١٩٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 194 195 196 197 198 199 200 201 202 203 204 ... » »»
الفهرست