مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٤١ - الصفحة ٥٠
* وأما حديث تبشير العشرة، فإنه مع كونه غير قابل لتخصيص هذا العموم، لما عرفت من حقيقة أمره، وظهر لك من مكنون سره، فهو داخل في عموم النفي دخولا أوليا، إذ لا قرينة على إخراجه عن العموم، مضافا إلى أن مدعي النفي على وجه العموم - أعني سعدا - لم يستثن أحدا منه - ولا نفسه على الأقل - سوى عبد الله بن سلام، واستثنينا نحن بعض المبشرين بدليل قطعي، فيبقى الباقي على عمومه، والله الموفق والمعين، وهو المرشد للصواب.
ومنها: ما استظهره شيخ الإسلام الحافظ أبو الفضل شهاب الدين ابن حجر العسقلاني في " فتح الباري " (145): من أن سعدا قال ذلك بعد موت المبشرين، لأن ابن سلام عاش بعدهم ولم يتأخر معه من العشرة غير سعد وسعيد.
قال: ويؤخذ هذا من قوله: " يمشي على وجه الأرض ". انتهى.
قلت: وهذا أيضا لا يزيل من الإشكال شيئا، بل يزيده قوة إلى قوته، فلو سلمنا له أن ابن أبي وقاص قال ذلك بعد موت أكثر المبشرين فلقد كان هو وسعيد بن زيد حيين يمشيان على وجه الأرض، كما اعترف بذلك - وهما من جملة المبشرين العشرة بزعمهم - فكيف ساغ لسعد أن ينفي تبشير النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأحد من الصحابة ممن كان حيا في زمانه إلا لعبد الله ابن سلام؟! فما ذكره في التأويل تخرص ومجازفة بلا دليل، والله الهادي إلى سواء السبيل.
ومما قررنا ينكشف لك أن حديث تبشير العشرة بالجنة زخرف من القول، ليس له أصل، فلا تغرنك كثرة طرقه، ولا تهولنك وفرة أسانيده وشهرته، فلرب مشهور لا أصل له، فعليك - يرحمك الله - بسبر غور الأحاديث لا سيما ما كان منها من هذا النمط - والتنقيب عن حقيقتها وكنهها، والوقوف على

(١٤٥) فتح الباري ٧ / 161 - 162.
(٥٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 ... » »»
الفهرست