ومنها: ما تمحله القاري في " مرقاة المفاتيح " (141) من أنه يمكن أن يراد بقوله: " يمشي " أنه وقعت بشارته صلى الله عليه وآله وسلم لعبد الله حين كان يمشي على وجه الأرض بمعنى أنه يسير بخلاف بشارات غيره.
وظن القاري أن الإشكال يزول بذلك، مع أنه أسخف الوجوه المذكورة في هذا المقام وأوهنها، إذ لا يكاد يخفى على ذي درية أن قوله " يمشي على وجه الأرض " لا يراد به معناه الحقيقي من السير، بل هو وارد مورد الكناية عن الحياة - كما اختاره الحافظ ابن حجر وغيره (142) - وهو نظير ما رواه الترمذي في سننه (143) عن جابر بن عبد الله، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: من سره أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله.
ثم من أين درى القاري أن البشارة لعبد الله بن سلام وقعت حين كان يمشي على وجه الأرض حتى حمل الحديث عليه؟! وأي مرمى قصده سعد بن أبي وقاص بهذا النحو من كلامه؟! وأي خصوصية تعقل للمشي على وجه الأرض في وقوع التبشير وصدوره؟! ولذلك قيل (144): إن قوله " يمشي على وجه الأرض " صفة مؤكدة لأحد كما في قوله تعالى: * (وما من دابة في الأرض) * لمزيد التعميم والإحاطة. انتهى.
هذا، وقد تقرر في الأصول أن وقوع النكرة في سياق النفي يفيد العموم، فقول سعد يفيد عموم نفي البشارة إلا لابن سلام، ويخصص أيضا بمن ثبتت له البشارة بالجنة بدليل قاطع وبرهان ساطع.