وما أغنى إنكار الصحابة سياسة عثمان في تقديمه بني أمية على خيار الصحابة مع ما كان عليه أولئك من حرص على الدنيا وبعد عن الدين؟!
ثم لم يشتد هذا الإنكار ويعلو صداه حتى تغلب على شؤون الأمة والخليفة غلمان بني أمية ممن لم يكن معه كثير دين وورع، كمروان بن الحكم وعبد الله بن سعد بن أبي سرح والوليد بن عقبة، وعمرو بن العاص، ومعاوية.
ومع هذا فلم يكن إنكارهم عندنا حجة، بل كانوا به ملومين!
فمتى إذن كان إنكار الصحابة حجة، ليكون سكوتهم إقرارا؟!
فإذا كانت الخطوة الأولى في التراجع عن مبدأ الشورى هي القبول بتسليم الأمر إلى الخليفة القائم ليستخلف بعده من يشاء، فإن الخطوة الثانية كانت خطوة مرة حقا.
فلما تجنب الخلفاء مبدأ الشورى ومبدأ النص والاستخلاف معا، واختاروا مبدأ القهر والاستيلاء والتغلب بالسيف، قبلنا به واحدا من طرق الخلافة!
فكم بين الشورى، والتغلب بالسيف؟!
إن إقرار مبدأ التغلب بالسيف ليعد أكبر انتكاسة لمبدأ الشورى!
وإذا كانت الشورى مستمدة من القرآن، فمن أين استمدت قاعدة التغلب بالسيف؟!
وثم سؤال أشد إحراجا من هذا:
فإذا كانت الشورى هي القاعدة الشرعية المستمدة من القرآن، فماذا عن عهود الخلافة التي لم تتم وفق هذه القاعدة؟!
وحين لم يتوفر الجواب الذي ينقذ هذه النظرية من هذا المأزق الكبير، رأينا أن المهرب الوحيد هو أن نبرر جميع صور الخلافة التي تحققت في الواقع: فمرة بعقد رجل واحد ومتابعة أربعة، ومرة بنص من الخليفة السابق، ومرة في ستة يجتمعون لانتخاب أحدهم، ومرة بالقهر والاستيلاء، حتى أدى