مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٣٥ - الصفحة ٢١٣
حينما سعى المستعمر الفرنسي إلى استبدال اللغة العربية بالفرنسية، بل القضاء على الأبجدية التي تكتب بها لغاب الشعوب الإسلامية، كما جرى في تركيا، عندما أقصيت الأبجدية التركية العثمانية، واستبدلت باللاتينية.
لقد سخر المستعمر لتنفيذ هذه المهام أفواجا عديدة من الباحثين في أوروبا، ووجههم للتخصص بالتراث الإسلامي، وأمن لهم إمكانات مادية وبشرية ضخمة، من أجل دراسة هذا التراث، واكتشاف الشعوب الإسلامية، لبسط سيطرته عليها، فأسست مراكز للبحث والتحقيق، ودور نشر، ودوريات، وكليات، ومؤسسات متنوعة، تخصصت بتراثنا، ومجتمعاتنا، وتاريخنا، وعاداتنا، كانت تؤمن خدمات هائلة لوزارات المستعمرات في الدول الاستعمارية (61)، حتى أن تزايد الاهتمام بالتراث الإسلامي، وتحقيقه ونشره، وفهرسته، وترجمته، كان يتناسب طرديا بشكل ملحوظ، مع تفاقم ظاهرة الاستعمار في ديارنا، فيما كان يتراجع هذا الاهتمام في حالات انكفاء الاستعمار وتراجعه وانحساره.
وعلى هذا الأساس يمكن أن نعرف السبب في اشتداد حركة تحقيق ونشر تراثنا في أوروبا في القرن التاسع عشر، وهو عصر غلبة أوروبا، وبسط نفوذها على معظم ديارنا عسكريا، وتغلبها على مجتمعاتنا بأسرها سياسيا.
ومن هنا يمكن القول بأن تحقيق ونشر التراث الإسلامي في أوروبا، كان يمثل في بعد من أبعاده الأساسية، إحدى الآليات التي يعتمدها الاستعمار في سيطرته على المسلمين، وتدمير المقومات الحيوية والفطرية لمجتمعاتهم، فكلما توسعت حركة الاستعمار في العالم الإسلامي، تنامت بموازاتها حركة تحقيق ونشر التراث الإسلامي في أوروبا.
وإن كنا لا نعدم ظهور بعض النماذج من الباحثين الغربيين في تراثنا،

(61) عمل بعض أساطين حركة الاستشراق كمستشارين في وزارة المستعمرات في بلدانهم.
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»
الفهرست