ليس كافيا في تحقيق معنى التوحيد الذي يدعو إليه القرآن الكريم، لأن مثل هذا التوحيد موجود لدى المشركين، ويستدلون على ذلك بقوله تعالى: " وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون " على معنى أن الشرك هنا هو عبادة غير الله.
يقول: الشيخ ابن تيمية في الفتاوى الكبرى: " والشرك الذي ذكره الله في كتابه إنما هو عبادة غيره من المخلوقات كعبادة الملائكة والكواكب أو الشمس أو القمر أو الأنبياء أو تماثيلهم أو قبورهم أو غيرهم من الآدميين، ونحو ذلك مما هو كثير في هؤلاء الجهمية ونحوهم ممن يزعم أنه محقق في التوحيد وهو أعظم الناس إشراكا " (1).
وهم بهذا يعطون مصطلح الشرك معنى آخر غير ما يفاد من دلالته اللغوية والاجتماعية والعلمية.
ذلك أن معناه لغة واصطلاحا هو الاعتقاد بتعدد الآلهة، بمعنى جعل شريك أو أكثر لله فيما يختصن به من خلق ونحوه.
وفي ضوئه:
أن من يعبد شيئا واحدا غير الله كالشمس - مثلا - وهو لا يؤمن بالله لا يقال له: مشرك، وإنما يقال له: ملحد.
والقرآن الكريم إنما عبر عمن أشارت إليهم الآية الكريمة بالاشراك، لأنهم كانوا يؤمنون بالله إلها معبودا، ولكن أشركوا معه آلهة آخرين يعبدونهم ليقربوهم إلى الله زلفى " ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى " فأشركوا بسبب إضفاء صفة خاصة به تعالى على غيره وهي الألوهية، لأن العبودية لا تكون إلا لمن يعتقد بألوهيته، فهم في الواقع مشركون في الألوهية، والشرك لا يعبر عنه بالتوحيد للمنافاة بينهما.
فالتعبير عن هذا اللون من الشرك بالتوحيد فيه شئ غير قليل من التساهل في استعمال المصطلحات.