مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٧ - الصفحة ٢٢٢
ولن تصل أيها الطالب إلى القيام بأوامر الله تعالى إلا بمراقبة قلبك وجوارحك في لحظاتك وأنفاسك، من حين تصبح إلى حين تمسي.
واعلم أن الله تعالى يطلع على ضميرك، ومشرف على ظاهرك وباطنك، ومحيط على خطراتك ولحظاتك وخطواتك، وسائر سكناتك وحركاتك، في مخالطتك وخلواتك، متردد بين يديه، فلا يسكن في الملك والملكوت ساكن، ولا يتحرك متحرك إلا وجبار السماوات مطلع عليه.
فتأدب أيها المسكين ظاهرا وباطنا بين يدي الله تعالى، تأدب العبد الذليل في حضرة القاهر القادر، واجتهد أن لا يراك مولاك حيث نهاك، ولا يفقدك حيث أمرك، فذلك هو التقوى التي أمر الله تعالى بها، ورتب عليها في كتابه الكريم فوائد كثيرة ﴿إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون﴾ (١١) ﴿ومن يتق الله يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث لا يحتسب﴾ (12).
ولا يتم لك ذلك إلا بأن تخصص عمرك القصير، بأن توزع أوقاتك، وترتب أورادك من صباحك إلى مسائك، فإصغ إلى ما يلقى إليك من أوامر الله تعالى، فإذا استيقظت من منامك فاجتهد أن تستيقظ قبل طلوع الفجر، وليكن أول ما يجري على قلبك ولسانك ذكر الله تعالى، وقل عند ذلك: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور (13)، أصبحنا وأصبح الملك لله (14)، والعظمة لله، والسلطان لله، والعزة لله، والقدرة لله، أصبحنا على فطرة الإسلام، وعلى كلمة الإخلاص، وعلى دين نبيا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان من المشركين (15).
اللهم إنا نسألك أن تبعثنا في هذا اليوم إلى كل خير، ونعوذ بك أن نجترح

(١١) النمل ١٦: ١٢٨.
(١٢) الطلاق ٦٥: ٢ - ٣ (١٣) مصباح المتهجد: ١٠٩.
(١٤) مكارم الأخلاق ٢٧٧، الوفا بأحوال المصطفى - لابن الجوزي - ٢: ٥٤٨.
(١٥) مصباح المتهجد 190.
(٢٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 ... » »»
الفهرست