مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٧ - الصفحة ٢١٨
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين الحمد لله حق حمده، والصلاة على محمد نبيه وعبده، وعلى آله وصحبه وجنده، والتابعين لهم بإحسان من بعده وسلم تسليما.
وبعد:
فقد قال النبي صلى الله عليه وآله - فيما رواه عن (1) الخاص والعام من جوامع الكلام وأبلغ العظات المنبهة للنيام -: " الدنيا مزرعة الآخرة " (12).
فنظرنا بعين الاعتبار وتأملنا بطريق الاستبصار، فرأينا أن المزرعة تحتاج إلى بذر صاف من شوائب الأغيار خالص عن مخالطة ما يوجب التلاشي والبوار، واقعا في وقته المعد لصلاحه، مقدما عليه ما يحتاج إليه من الشرائط ورفع الموانع، مراعيا حاله، كذلك إلى أوان حصاده، وإن أخل بشئ من ذلك أدى الاخلال إلى فساده.
ولا يخفى أن الزرع في هذه الدار للآخرة إنما هو الأعمال الصالحة، ومتاجرها الرابحة، وزمان - هذه المعاملة: العمر، وكسبها وتحصيل غلتها: الجنة، الدائم أكلها، الخالية عن شوب (3) الأكدار والنقائص، والهم والغم، والحر والبرد، وغير ذلك من المنافيات، فهي سرور لا غم معه، وبقاء لا فناء معه، ولذة لا ألم معها، وغنى لا فقر معه، وكمال لا نقصان معه، وعز لا ذل معه.
وبالجملة، كل ما يطلبه الطالب، أو يتصور طلبه، فهو حاصل فيها، وكل ما يهرب عنه ويرد العبد عنه فهو منفي عنها، وحيث كان البذر هو الطاعات والمعارف، فمحل البذر وأرضه هو النفس الإنسانية، وتكليفها بهذه العبادات بمنزلة تقليب الأرض وإعدادها للزراعة وسياقة الماء إليها.

(1) كذا في المخطوط، والصواب: عنه.
(2) عوالي اللآلي 1: 367 / 66، كشف الخفاء ومزيل الالباس 1: 495 / 1320.
(3) الشوب: الخلط. وقد شبت الشئ أشوبه فهو مشوب.
(٢١٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 223 ... » »»
الفهرست