سالم في جماعة يتذاكرون الحديث، فسمعتهم يقولون: قال رسول الله [صلى الله عليه وآله]، ورواه فلان، وما حديث به غير فلان، فسألتهم المرأة عن الحائض تغسل الموتى - وكانت غاسلة -؟ فلم يجبها أحد منهم، وجعل بعضهم ينظر إلى بعض، فأقبل أبو ثور فقالوا لها: عليك بالمقبل، فالتفتت إليه فسألته فقال: نعم تغسل الميت بحديث عائشة: إن النبي [صلى الله عليه وآله] قال لها: حيضتك ليست في يدك، ولقولها: كنت أفرق رأس رسول الله [صلى الله عليه وآله] بالماء وأنا حائض، قال أبو ثور: فإذا فرقت رأس الحي فالميت أولى به، فقالوا: نعم، رواه فلان وحدثنا فلان، وخاضوا في الطرق، فقالت المرأة: فأين كنتم إلى الآن؟! " (60).
قال: " وقد كان فيهم مع كثرة سماعه وجمعه للحديث من يرويه ولا يدري ما معناه، وفيهم من يصحفه ويغيره... أخبرنا الدارقطني: أنا أبا موسى محمد ابن المثنى العنزي قال لهم يوما: نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة قد صلى رسول الله [صلى الله عليه وآله] إلينا، لما روي أن النبي [صلى الله عليه وآله] صلى إلى عنزة، توهم أنه صلى إلى قبلتهم، وإنما العنزة التي صلى إليها رسول الله [صلى الله عليه وآله] هي حربة " (61).
قال: " وقد كان أكثر المحدثين يعرفون صحيح الحديث من سقيمه وثقات النقلة من مجروحيهم ثم يعابون لقلة الفقه، فكان الفقهاء يقولون للمحدثين: نحن الأطباء وأنتم الصيادلة... " (62).
قال: " والآن فالغالب على المحدثين السماع فحسب، لا يعرفون صحابيا من تابعي، ولا حديثا مقطوعا من موصول، ولا صحة إسناد من بطلانه، وفرض مثل هؤلاء القبول ممن يعلم ما جهلوه... " (63).