وبعد انقراض أولئك العرب، المالئة دلو البلاغة إلى عقد الكرب (127)، وبقاء رباعها (128) بغير طلل (129) ورسم (130)، وذهابها ذهاب جديس وطسم (131)، لم يبق من هذا العلم إلا نحو الغراب الأعصم (132)، والنكتة (133) البيضاء في نقبة الأدهم (134)، وجملة تلك البقية قد اتبعوا سنن الأولين، وكانوا على عجز العرب معولين، ولم يقولوا كم بين إيمان السحار وبين إيمان النظار، ثم أدرج هذا العلم تحت طي النسيان، كما يدرج الميت في الأكفان.
ولولا أن الله أوزعني أن أنفض عليه لمتي (135)، وألهمني أن أنهض إليه بهمتي، حتى أنفقت على النظر فيه شبابي، ووهبت له أمري، وكانت إجالة الفكر في غوامضه دهري، لم تسمع من أحد فيه همسا، ولم تلق من ينبس منه بكلمة نبسا، والله أسأل أن يهديني سبل الإصابة، ويثيبني على ذلك أحسن إثابة، فما نويت بما لقيت فيه من عرق الجبين، إلا التوصل إلى ما فيه من ثلج اليقين، وإلا