الزمخشري، من أكابر الأمة، وقد ألقت العلوم إليه أطراف الأزمة، واتفقت على إطرائه الألسنة، وتشرفت بمكانه وزمانه الأمكنة والأزمنة، ولم يتمكن في دهره واحد من جلاء رذائل النظم والنثر، وصقال صوارم الأدب والشعر، إلا بالاهتداء بنجم فضله، والاقتداح بزند عقله، ومن طار بقوادم الإنصاف وخوافيه، علم أن جواهر الكلام في زماننا هذا من نثار فيه، وقد ساعده التوفيق والإقبال، وساعفه من الزمان الماضي والحال، حتى اختار لمقامه أشرف الأماكن، وجمع بجوار بيت الله الحرام بين الفضائل والمحاسن، وودع أفراس الأمور الدنياوية ورواحلها، وعاين من بحار الخيرات والبركات سواحلها، وقد صغر في عيون أفاضل عهده ما رأوه ورووه، وملك في قلوب البلغاء جميع ما رعوه ووعوه، وإن كان عدد أبياته التي ذكرتها قليلا فكماله صار عليها دليلا " (8).
ولما قدم الزمخشري إلى بغداد قاصدا الحج زاره الشريف أبو السعادات هبة الله بن الشجري مهنئا له بقدومه، فلما جلس إليه أنشده متمثلا:
كانت مسألة الركبان تخبرني * عن أحمد بن داود أطيب الخبر حتى التقينا فلا والله ما سمعت أذني بأحسن مما قد رأى بصري وأنشد أيضا:
وأستكبر الأخبار قبل لقائه * فلما التقينا صغر الخبر الخبر (9) وكان الزمخشري ممن يضرب به المثل في علم الأدب والنحو واللغة (10)، وما دخل بلدا إلا واجتمعوا عليه وتلمذوا له، واستفادوا منه، وكان علامة الأدب، ونسابة العرب، تضرب إليه أكباد الإبل، وتحط بفنائه رحال الرجال، وتحدى باسمه مطايا الآمال (11).
وقال ياقوت: كان إماما في التفسير والنحو واللغة والأدب، واسع العلم،