مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٣ - الصفحة ١٩١
والتشبيه الوجيه، قياس زائري القبور والطائفين حولها بالطائفين حول الكعبة البيت الحرام وبين الصفا والمروة: " إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما " (37)، فالطائف حول البيت، والساعي بين الصفا والمروة لم يعبد الكعبة وأحجارها، ولا الصفا والمروة ومنارها، وإنما يعبد الله سبحانه في تلك البقاع المقدسة، وحول تلك الهياكل الشريفة التي شرفها الله ودعا عباده إلى عبادته فيها، وهكذا زائر القبور.
هذا هو القياس الصحيح والميزان العدل، أما القياس بالميزان الأول ففيه عين بل عيون، لا بل هو خبط وجنون، أليس من الجنون قياس من يعبد الله موحدا له بمن يعبد الأصنام مشركا لها مع الله جل شأنه؟!
وكشف النقاب عن محيا هذه الحقيقة الستيرة، بحيث تبدو للناظرين ناصعة مستنيرة، موقوف على بيان حقيقة العبادة وكنه معناها، ولو على سبيل الايجاز حسب اقتضاء هذه العجالة التي جرى بها اللسان متدافعا تدافع الآتي من غير وقفة ولا أناة، ولا مراجعة ولا مهل.
إن حقيقة العبادة ومصاص معناها، وكنه روحها ومغزاها بعد كونها مأخوذة بحسب الاشتقاق من العبد والعبودية، وليس العبد في الحقيقة وطباق نفس الأمر والواقع ما ملكته بالاغتنام أو الشراء أو غيرهما من الأسباب، ولا السيد والمولى من تولى عليك بالغلبة والقهر، أو المصانعة والخداع، إنما السيد من أنعم عليك بنعمة الحياة، وخلع عليك بعد العدم خلعة الوجود، ورباك في بواطن الأصلاب وبطون الأرحام ستبرأ، لا تراك سوى عينه، ولا ترعاك سوى عنايته، فذاك هو الرب والمالك والسيد حقيقة من غير تسامح في المعنى، ولا تجوز في اللفظ، وأنت ذلك العبد المملوك بحقيقة العبودية، المربوب بنعمة الايجاد والتكوين، والصنع والخلق، وقد اقتضت تلك العبودية، حسب النواميس العقلية، والاعتبار والروية، المعزى إليها بقوله عز شأنه: " وما خلقت الجن

(١٩١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 186 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 ... » »»
الفهرست