مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ١٣ - الصفحة ١٨٠
نقدر على الفرض أن رسول الله - صلى الله عليه وآله - ها هو أمام كل مسلم من أمته يراه بعينه ويسمعه بإذنه قائلا له: " لا تدع تمثالا إلا طمسته، ولا قبرا مشرفا إلا سويته " بناء على صحة كل ما ورد في الصحيحين - البخاري ومسلم إذ هذا الفرض - وإن كنا لا نقول به - ولكن نجعله من الأصول الموضوعة بيننا - أعني به ما هو فصل النزاع وقاطع الخصومة - ومعلوم أن المتخاصمين إذا لم يكن فيما بينهما أصول موضوعة ينتهون إليها، ويقفون عندها، لا تكاد تنهي سلسلة النزاع بينهما والتخاصم طول الأبد، وعمر الدهر، إذا فنحن على سبيل المجاراة والمساهلة مع الخصم نقول بصحة ذلك الحديث، كما يلزمنا معا أن نقول بصحة غيره من أحاديث الصحيحين فها هو النبي - صلى الله عليه وآله - يقول: " لا تدع قبرا مشرفا إلا سويته "، كما رواه مسلم، - ولكنه يقول حسب روايته أيضا: " فزوروا القبور فإنها تذكر الموت... "، و " استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي "... وقد زار هو قبور البقيع... وفي البخاري عقد بابا لزيارة القبور وحينئذ - فهل هذه الأحاديث متعارضة متناقضة؟! النبي الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى يأمر بهدم القبور... ويأمر بزيارتها... يأمر بهدمها ثم هو يزورها...
فإن كان المقام من باب تعارض الأحاديث واختلاف الروايات وجب الجمع بينهما لا محالة، على ما تقتضيه صناعة الاجتهاد، وطريقة الاستنباط، وقواعد الفن المقررة في الأصول، بحمل الظاهر على الأظهر، وتأويل الضعيف من المتعارضين وصرفه إلى المعنى الموافق للقوي، فيكون القوي قرينة على التصرف في الضعيف، وإرادة خلاف ظاهره منه كما يعرفه أرباب هذه الصناعة، فهل المقام من هذا القبيل؟!
كلا ثم كلا، ومهلا مهلا: إن هذه الساقية ليست من ذلك النبع، وتلك القافية ما هي من ذلك السجع، وليس المقام من باب التعارض كي يحتاج إلى التأويل والجمع.
ما كنت أحسب أن أدنى من له حظ من فهم التراكيب العربية
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»
الفهرست