مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٨ - الصفحة ٣٥٢
جمادى الآخرة، فأصعد فتح (45) الإبريق إلى عندي فمددت يدي ولزمت عروته لأفرغ على كفي فأمسك ماسك فم الإبريق، وأداره عني، ومنعني من استعمال الماء في طهارة الصلاة، فقلت: لعل الماء نجس، فأراد الله أن يصونني عنه، فإن الله جل جلاله علي عوائد كثيرة، أحدها مثل هذا، وأعرفها، فناديت: إلى فتح، فقلت: من أين ملأت الإبريق؟ قال: من المسيبة، فقلت: هذا لعله نجس، فاقلبه واشطفه، واملأ من الشط.
فمضى وقلبه، وأنا أسمع صوت الإبريق، وشطفه وملأه من الشط وجاء به، فلزمت عروته، وشرعت أقلب منه على كفي، فأمسك ماسك فم الإبريق وأداره عني، ومنعني منه، فعدت صبرت، ودعوت بدعوات، وعاودت الإبريق فجرى مثل ذلك، فعرفت أن هذا منع لي من صلاة الليل في تلك الليلة، قلت في خواطري: لعل الله يريد أن يجري علي حكما وابتلاء غدا، ولا يريد أن أدعو الليلة في السلامة من ذلك، وجلست لا يخطر بقلبي غير ذلك، فنمت وأنا جالس، وإذا برجل يقول لي: هذا يعني عبد المحسن - الذي جاء بالرسالة كان ينبغي أن تمشي بين يديه.
فاستيقظت، ووقع في خواطري أن قد قصرت في احترامه وإكرامه، فتبت إلى الله جل جلاله، واعتمدت ما يعتمد التائب من مثل ذلك، وشرعت في الطهارة فلم يمسك أحد الإبريق، وتركت على عادتي، فتطهرت وصليت ركعتين، فطلع الفجر فقضيت نافلة الليل، وفهمت أنني ما قمت بحق هذا الرسالة.
فنزلت إلى الشيخ عبد المحسن، وتلقيته وأكرمته، وأخذت له من خاصتي ست دنانير، ومن غير خاصتي خمسة عشر دينارا، مما كنت أحكم فيه كمالي، وخلوت به في الروشن، وعرضت ذلك عليه فاعتذرت إليه، فامتنع قبول شئ أصلا، وقال: إن معي نحو مائة دينار، وما آخذ شيئا، أعطه لمن هو فقير، وامتنع غاية الامتناع، فقلت له:
إن رسوله مثله عليه السلام (46)، يعطى لأجل الإكرام لمن أرسله عليه السلام، لا لأجل فقره وغناه، فامتنع، فقلت: مبارك، أما الخمسة عشر دينارا فهي من غير خاصتي، فلا

(45) فتح: اسم غلامه [منه رحمه الله، كما في هامش البحار].
(46) في الأصل: (صلى الله عليه وآله) والكلام عن المهدي - عجل الله تعالى فرجه الشريف - فما أثبتناه أنسب للمقام، وكذا ما بعده.
(٣٥٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 ... » »»
الفهرست