مجلة تراثنا - مؤسسة آل البيت - ج ٦ - الصفحة ١٢٩
وتوفي النبي صلى الله عليه وآله، وتقمص الذين كان يلهيهم الصفق بالأسواق عن تعلم القرآن وأحكام الدين - حتى أبسط مسائله اليومية - الخلافة، وآل أمرها إلى ما آل إليه... فقام سيدنا أمير المؤمنين عليه السلام مقام النبي صلى الله عليه وآله في حفظ الكتاب والسنة وتعليمهما الناس، والترغيب فيهما، والحث عليهما...
فهو من جهة يبادر إلى جمع القرآن مضيفا إليه ما سمعه من النبي صلى الله عليه وآله حول آياته من التفسير والتأويل وغير ذلك، ويدرس جماعة من أهل بيته وأصحابه ومشاهير الصحابة مما وعاه عن النبي صلى الله عليه وآله من علوم الكتاب والسنة، حتى كان من أعلامهم الحسن والحسين عليهما السلام، وعبد الله بن العباس، وعبد الله بن مسعود، وأمثالهم.
ومن جهة أخرى يراقب ما يصدر عن الحكام وغيرهم عن كثب، كي ينفي عن الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.
فكان عليه السلام المرجع الأعلى لعموم المسلمين في جميع أمورهم الدينية حتى اضطر بعض أعلام الحفاظ إلى الاعتراف بذلك وقال: " وسؤال كبار الصحابة له، ورجوعهم إلى فتاواه وأقواله، في المواطن الكثيرة، والمسائل المعضلات، مشهور " (7).
وهكذا... كان سعي أمير المؤمنين عليه السلام في حفظ القرآن بجميع معاني الكلمة، وهكذا كان غيره من أئمة أهل البيت عليهم السلام.
وكان الاهتمام بالقرآن العظيم من أهم أسباب تقدم الإسلام ورقي المسلمين، كما كان التلاعب بالعهدين من أهم الأمور التي أدت إلى انحطاط اليهود والنصارى، فأصبح الهجوم على القرآن نقطة التلاقي بين اليهود والنصارى والمناوئين للإسلام والمسلمين، لأنهم إن نجحوا في ذلك فقد طعنوا الإسلام في الصميم.
لكن الله سبحانه قد تعهد بحفظ القرآن وأن " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه " (8) فاندحروا في جميع الميادين صاغرين، والحمد لله رب العالمين.
لكن " أسطورة تحريف القرآن " ما زالوا يرددونها بين حين وآخر، وعلى لسان بعض الكتاب المتظاهرين باسم الإسلام وياللأسف، يستأجرونهم لتوجيه الضربة إلى

(٧) تهذيب الأسماء واللغات، للحافظ النووي ١: ٣٤٦.
(٨) سورة فصلت ٤١: 42
(١٢٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 134 ... » »»
الفهرست