في كل مواضع شعر الشريف الرضي، وكانت حلبة واسعة لفخره، ذلك الفخر الذي يتمفصل على محورين:
المحور الأول: المحور الذاتي، ويتمثل في الفخار بالخلق السامي ورفض الذل والتطلع الدائم إلى الأفق الأعلى من آفاق الكرامة الإنسانية التي تفرضها الذات المتسامية عن صغار الدنيا كقوله رضوان الله عليه:
مالي أذل، وصارمي لم ينثلم * بطلى العدى، وقناي لم يتقصد حيث يستفهم استفهاما إنكاريا عن رضاه بالذل إن حاول بعضهم أن يسمه به، فكيف سيرتضى ذلك، وسيفه " صارمي " لم ينثلم من ضرب أعناق " طلى " أعدائه ورمحه لم يتكسر، أي إن دون إذلاله حرب لا بد أن تقع بالسيف الذي يضرب أعناق الأعداء حتى يتثلم، وبالرمح الذي يطاعنهم به حتى يتكسر.
وتبلغ حساسية الكرامة مداها الأوفى بصرخته الخالدة عبر الزمن:
ما مقامي على الهوان، وعندي * مقول صارم وأنف حمي وإباء محلق بي عن الضنيم * كما راغ طائر وحشي فإنه يتساءل منكرا أن يرتضي الإقامة على الهوان والذل، ولديه المعول الصارم والأنف الحمي، وإلا باء الذي يحلق عن الضيم والظلم وكأنه الطائر الوحشي في نفوره وعلو طيرانه، أو سمة رمزية يطرز بها الشريف رفضه للذل والهوان، المقول الصارم رمز إلى الجرأة في القول، والحزم تجاه مناوئيه ومن يريد إذ لا له وإلحاق الهوان به، والأنف الحمي: رمز إلى العزة والكبرياء، والأنف - عند العرب - من الآنفة والترفع، يستشعر ما يتطلبه منه نسبه، ووضعه الاجتماعي، من طهر ذيل، وسمو نفس، وعفة قلب، وسعة علم، إضافة للوازع الديني المذهبي الذي لم يتخل عنه الرضي الشريف في أية خطوة خطاها في عمره الطيب.
لقد أدرك الشريف الرضي أن النسب الطاهر لن ينفع شيئا إن لم تواكبه حياة طاهرة تكون أهلا لحمل شرف الانتساب إلى دوحة النبوة:
إن أشر الخطب فلا روعة * أو عظم الأمر فصبر جميل ليهون المرء بأيامه * إن مقام المرء فيها قليل