تلك القرائن المفيدة للعلم بخلاف هذه الحكاية:
1 - إن السيد المرتضى - وهو ذلك الرجل الصدوق - ينص بنفسه على أنه لم يكن يرى لثروته الطائلة قيمة تجاه مكارمه وكراماته وكان يقول:
وما حزني الإملاق والثروة التي * يذل بها أهل اليسار ضلال أليس يبقى المال إلا ضنانة * وأفقر أقواما ندى ونوال إذا لم أنل بالمال حاجة معسر * حصور عن الشكوى فمالي مال (10) أفترى أن صاحب هذه النفسية القوية يكتب لإعفاء عشرين درهما، مائة سطر تتضمن الخضوع والخشوع!؟
2 - إن الشريف المرتضى تقلد بعد أخيه الرضي نقابة الشرفاء شرقا وغربا، وإمارة الحاج والحرمين، والنظر في المظالم، وقضاء القضاة ثلاثين سنة، وذلك من عام 406 (وهو العام الذي توفي فيه أخوه الرضي) إلى عام 436 الذي توفي فيه الشريف المرتضى نفسه.
أفهل يمكن أن يقوم بأعباء مثل هذه المسؤولية الاجتماعية من يبخل بدينار واحد يصرفه فخر الملك في حفر نهر، تعود فائدته إلى الجميع، ويكتب في إسقاطه أكثر من مائة سطر.
هذا والحجيج بين شاكر لكلاءته، وذاكر لمقدرته، ومطر لأخلاقه، ومتبرك بفضائله، ومثن على أياديه، وهذا يفيد أن الشريف المرتضى كان كأخيه الرضي سخيا معطيا ولم يكن يرى للمال قيمة.
3 - إن ابن خلكان بعد ما عرفه بقوله: كان إماما في علم الكلام والأدب والشعر، أتى بقصة حكاها الخطيب التبريزي، وهي بنفسها أقوى شاهد على أن السيد كان ذا سماحة كبيرة.
قال الخطيب: إن أبا الحسن علي بن أحمد علي بن سلك الفالي الأديب كان له نسخة لكاتب الجمهرة لابن دريد في غاية الجودة، فدعته الحاجة إلى بيعها فباعها، فاشتراها الشريف المرتضى بستين دينارا، فتصفحها فوجد فيها أبياتا بخط بائعها، والأبيات قوله:
أنست بها عشرين حولا وبعتها * فقد طال وجدي بعدها وحنيني