وعد عدة كثيرة منهم - أيضا - الحبر الخبير علي بن عبد العظيم التبريزي الخياباني في كتابه الموسوم ب " وقائع الأيام في أحوال شهر الصيام " (8).
ثم قد عرفنا طائفة منهم مع ذكر مآخذ النقل في مفتتح رسالتنا الفارسية الموسومة ب " إنسان كامل از ديدگاه نهج البلاغة ".
وقد التمس مني وأوصاني غير واحد من أصدقائي الفضلاء العلماء حينما أخذت في شرح النهج، الاهتمام كل الاهتمام بذكر مدارك ما في النهج من صحف الأقدمين التي جمع الرضي وانتزع ما في النهج منها فأجبتهم بقدر الوسع بل الطاقة ولم آل جهدا في ذلك.
وقد رأينا بعض المحجوبين عن إدراك الحقائق الإلهية، والغافلين عن عظموت الإنسان الكامل، ينكر بفطانته البتراء إسناد ما في النهج إلى ولي الله الأعظم مجادلا بأن عصر علي لم يكن فكر البشر فيه راقيا إلى إلقاء تلك المعارف المتعالية على ذلك الحد من الكمال. ولست أدري أن ذلك المغفل ماذا يقول في القرآن العظيم المنزل في ذلك العصر؟ نعم " من لم يجعل الله له نورا فما له من نور " والانسان الكامل وراء البشر الظاهري.
ثم اعلم أن ما في النهج بالنسبة إلى سائر كلمات الوصي عليه السلام قليل من كثير لكن الشريف الرضي - لكمال براعته ووفور بلاغته وعلو مكانته في معرفة فنون الكلام، وتضلعه وتبحره في تمييز أنواع الأقلام - قد اختار وانتخب منها على حسب جودة سليقته وحسن طويته بدائع غررها وروائع دررها، وسمى ما اختاره " نهج البلاغة ".
نعم، إن كلام مولى الموحدين لمنهج البلاغة ومسلك الفصاحة، كلت ألسن الخطباء عن أن يأتوا بمثل أوامره وخطبه، وزلت أقدام أقلام الأمراء دون مبارزة رسائله وكتبه، وحارت عقول العقلاء في بيداء مواعظه وحكمه. كيف لا، والقائل مقتبس من الأنوار الإلهية، ومستضئ بالمشكاة الختمية المحمدية، وكلامه مستفاض من الصقع الربوبي، ومستفاد من الحضرة المحمدية، فهو تالي القرآن وثاني الفرقان.
وكثير من العلماء قد خاضوا قديما وحديثا في هذا القاموس العظيم لاقتناء درره، واجتهدوا حق الاجتهاد بما تيسر لهم في بيانه وتفسيره، وسلك كل واحد مسلكا في شرحه وتقريره، والكل ميسر لما خلق له " قل كل يعمل على شاكلته ".