عطاه وإذا سكت ابتداه، فلا غرو أن ينشأ سيد الفصحاء وأمير البيان ومسنن البلاغة.
تراه منذ عهد الرسالة حيث بعثه صلى الله عليه وآله إلى اليمن على إثر خالد بن الوليد وكان قد حاصرهم ستة أشهر فلم يسلموا، فأرسله صلى الله عليه وآله على أثره، فما كان إلا أن خطبهم وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله حتى أسلموا عن آخرهم.
هكذا تؤثر الخطب الفصيحة والكلام البليغ المنبثق عن علم وحكمة وإيمان وإخلاص، ثم حظى عليه السلام بدعوة مجابة من رسول الله صلى الله عليه وآله عندما بعثه ثانية إلى اليمن للقضاء فشرفه عند ذاك بوسام قولته صلى الله عليه وآله: " اذهب فإن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك ".
فما ظنك بلسان قد ثبته الله يفرغ عن قلب قد هداه الله، ولا غرو إذا ما طفحت خطبه عليه السلام بلاغة وحكمة بحيث أن العدو الخارجي عندما سمع كلامه لم يملك نفسه إلا أن قال: قاتله الله كافرا، ما أفقهه!!
هذا تأثير كلامه في الخارج عليه، المكفر له، فما حال الموالين له، القائلين بإمامته.
والعرب - كما تعلمون - كانت تتكل على الحفظ، وتعتمد الرواية الشفوية، فقوي لذلك حفظها، فكانت تحفظ القصائد الكبار والسور الطوال والخطب المطولة، ولكن حرصهم على كلام أمير المؤمنين عليه السلام وشدة إعجابهم به جعلهم يسجلونه فور إلقائه، ويدونونه إثر استماعه، حرصا عليه، واحتفاظا به، فقد روى الكليني في الكافي (1) والصدوق في كتاب التوحيد بإسنادهما عن أبي إسحاق السبيعي، عن الحارث الأعور قال: " خطب أمير المؤمنين عليه السلام خطبة بعد صلاة العصر، فعجب الناس من حسن صفته وما ذكره من تعظيم الله جل جلاله.
قال أبو إسحاق: فقلت للحارث: أو ما حفظتها؟ قال: قد كتبتها، فأملاها علينا من كتابه: الحمد لله الذي لا يموت ولا تنقضي عجائبه... ".
فكلامه عليه السلام جلب الأنظار وجذب الأفكار، فجعلوا يدونونه ويتداولونه إعجابا وحفاظا عليه، وإليك أسماء من دونوا كلامه عليه السلام من خطب وكتب