في ظل أصول الإسلام - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٣١٠
مع أن زيارة قبر نبي التوحيد استشعار لحقيقته، وتقديس لمعناه؟
ونعم ما كتب الشيخ محمد أبو زهرة في هذا المجال إذ قال:
فإن التقديس الذي يتصل بالرسل إنما هو لفكرتهم التي حملوها، فالتقديس لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم تقديس للمعاني التي دعا إليها، وحث عليها فكيف يتصور من مؤمن عرف حقيقة الدعوة المحمدية أن يكون مضمرا لأي معنى من معاني الوثنية وهو يستعبر العبر، ويستبصر ببصيرته عند الحضرة الشريفة والروضة المنيفة، فإذا كان خوف ابن تيمية من أن يؤدي ذلك إلى الوثنية بمضي الأعصار والدهور، فإنه خوف من غير جهة، لأن الناس كانوا يزورون قبر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى أول القرن الثامن ثم استمروا على هذه السيرة في العصور من بعده إلى يومنا هذا، ومع ذلك لم ينظر إلى هذا العمل نظرة عبادة أو وثنية، ولو تفرط أحد فهو من العوام، ولا يمنع تلك الذكريات العطرة، بل يجب إرشادهم لا منعهم من الزيارة وتكفيرهم (1).
وقال الشيخ محمد زاهد الكوثري أحد علماء الأزهر الشريف:
إن سعي ابن تيمية في منع الناس من زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدل على ضغينة كامنة فيه نحو النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكيف يتصور الإشراك بسبب الزيارة والتوسل في المسلمين الذي يعتقدون في حقه أنه عبده ورسوله وينطقون بذلك في صلاتهم نحو عشرين مرة في كل يوم على أقل التقادير إدامة لذكرى ذلك، ولم يزل أهل العلم ينهون العوام من البدع في كل شؤونهم ويرشدونهم إلى السنة في الزيارة وغيرها إذا حدث منهم بدعة في شئ، لم يعدهم وهم في يوم

(1) كلام أبو زهرة في كتابه حول حياة ابن تيمية.
(٣١٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 305 306 307 308 309 310 311 312 313 314 315 ... » »»