في ظل أصول الإسلام - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٢٢٢
هذه هي نظرية الموحد، وأما المادي فيعتقد بأصالة العلل المادية، واستقلالها في التأثير، من غير أن يسندها إلى واجب غني بالذات.
إن الاعتقاد بأن النظام القائم مبني على العلل والأسباب الطبيعية، مشترك بين الإلهي والمادي، وإنما يفترقان في القول بالتبعية والأصالة، فمن جعل وجودهما وتأثيرهما تبعا لوجود الله سبحانه وإرادته فهو إلهي موحد، ومن أضفى عليها طابع الأصالة وصفة الاستقلال، فهو مادي منكر لما وراء الطبيعة.
إن قضية عدم استقلال العلل الطبيعية أو استقلالها هو الحد الفاصل بين التوحيد والشرك، وبه يتميز الموحد عن المشرك.
فالله سبحانه يصف قوما بالشرك لأنهم إذا واجهوا المشاكل المستعصية، توجهوا إلى الله وإذا نجحوا عادوا إلى نسيانه، ويقول سبحانه: * (وإذا مس الناس ضر دعوا ربهم منيبين إليه ثم إذا أذاقهم منه رحمة إذا فريق منهم بربهم يشركون) * (1).
والمراد من الشرك في الآية ليس العودة إلى عبادة الأوثان، بل المراد أوسع من ذلك، فإن الكثيرين وإن كانوا موحدين عادوا بعد انكشاف الضر عنهم إلى حالتهم الأولى فنسوا الله سبحانه واعتمدوا على الأسباب الطبيعية مضفين عليها طابع الأصالة وصفة الاستقلال، ولا شك أن النظر إلى الأسباب العادية من هذه النافذة، هو شرك.

(٢٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 217 218 219 220 221 222 223 224 225 226 227 ... » »»