في ظل أصول الإسلام - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٢٣٣
التوسل مفيدا أم لا، لا كونه منافيا للتوحيد ومتلائما مع الشرك، وتوضيح ذلك أن الطلب من غير الله إن كان شركا فلا فرق أن يكون في حياته أو بعد مماته. نعم يمكن أن يدعي أحد أنه مفيد ومجد في حال الحياة وغير مفيد ولا مجد بعد الوفاة لكون المدعو ميتا، وهذا أمر آخر غير التوحيد والشرك.
وستعرف عند البحث عن حياة الأنبياء وإمكان الاتصال بهم، أنه من التوسلات المفيدة، إذ المفروض أنهم أحياء، والمفروض أنهم يسمعون كلامنا حسب ما يأتي من الروايات، وعلى ضوء ما ذكر فلا مانع من هذا النوع من التوسل، وأما إجابتهم، فهو موقوف على توفر شروط الإجابة كما هو الحال في طلب الدعاء في حال حياتهم، ويدل لفيف من الروايات على وقوع هذا النوع من الدعاء والطلب من النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بعد وفاته، ونحن نكتفي بروايتين:
1 - ما رواه ابن عساكر في تاريخه وابن الجوزي في " مثير الغرام الساكن " وغيرهما بأسانيدهم إلى محمد بن حرب الهلالي قال: دخلت المدينة فأتيت قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فزرته وجلست بحذائه وجاء أعرابي فزاره ثم قال: يا خير الرسل إن الله أنزل عليك كتابا صادقا قال فيه: * (ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا لله توابا رحيما) * وإني جئتك مستغفرا ربك من ذنوبي متشفعا بك (وفي رواية: وقد جئتك مستغفرا من ذنبي مستشفعا بك) إلى ربي، ثم بكى وأنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه * فطاب من طيبهن القاع والأكم نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه * فيه العفاف وفيه الجود والكرم ثم استغفر وانصرف (1).
وقد رواه غير محمد بن حرب.
2 - ما رواه البيهقي عن مالك قال: أصاب الناس قحط في زمان عمر ابن الخطاب، فجاء رجل إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله، استسق الله لأمتك فإنهم قد هلكوا، فأتاه رسول الله في المنام، وقال: إئت عمر فأقرئه

(1) وفاء الوفا 4: 1361.
(٢٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 238 ... » »»