ثانيا: لم يكن التطهير الإلهي والأزلي من الباري عز وعلا عن عبث وعدم حكمة، بل ما كان إلا عن علم الله تعالى التفصيلي بحال محمد وآل محمد (عليهم السلام).
وأنهم لا يعصون الله تعالى حتى لو وجدوا في أشد الظروف الصعبة، وأنهم يمتنعون عن معاصي الله والرجس وعبادة الأوثان وما إلى ذلك من المنافي لكمالهم.
وذلك لم يكن منهم لمنع الله إياهم عن تلك المعاصي، بل لاهتمامهم بأمور أجل وأعظم من ذلك، لانشغالهم بعبادة الله تعالى، وهم (عليهم السلام) لا يقدمون على عبادته أحدا، لأنهم يعبدونه عبادة الأحرار كما تقدم في الكتاب الأول.
وأنهم لا يفارقون الله طرفة عين أبدا كما روي عن لسانهم الصادق (عليه السلام):
" العارف شخصه مع الخلق وقلبه مع الله، لو سها قلبه عن الله طرفة عين لمات شوقا إليه ... فهو في رياض قدسه متردد.. " (1).
وقال إمامنا زين العابدين (عليه السلام): " والله لا يشغلني شئ عن شكره وذكره في ليل ولا نهار وسر ولا علانية، ولولا لأهلي علي حقا ولسائر الناس في خاصهم وعامهم علي حقوقا لا يسعني إلا القيام بها حسب الوسع والطاقة حتى أؤديها إليهم، لرميت بطرفي إلى السماء وبقلبي إلى الله ثم لم أردهما حتى يقضي الله على نفسي وهو خير الحاكمين " (2).
وقال (عليه السلام): " لو ملت بوجهي عنه لمال بوجهه عني " (3).
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): " لولا الآجال التي كتب الله لهم لماتوا شوقا إلى الله والثواب " (4).
من كانت هذه حالهم وأحوالهم كيف يفكر في المعاصي تفكيرا ذهنيا!!.