فالحاصل أن الرؤية جنس تحتها نوعان، رؤية مع الإحاطة ورؤية لا مع الإحاطة، والرؤية مع الإحاطة هي المسماة بالإدراك، فنفي الادراك يفيد نفي نوع واحد من نوعي الرؤية، ونفي النوع لا يوجب نفس الجنس، فلم يلزم من نفي الادراك عن الله تعالى نفي الرؤية عنه.
ثم قال: فهذا وجه حسن مقبول في الاعتراض على كلام الخصم (1).
ويلاحظ عليه بأن ما ذكره الرازي كان افتراء على اللغة للحفاظ على المذهب، وهذا أشبه بتفسير القرآن بالرأي، ولولا أن الرازي من أتباع المذهب الأشعري لما تجرأ بذلك التصرف.
ونحن بدورنا نسأله: ما الدليل على أن الادراك إذا اقترن بالبصر يكون بمعنى الادراك الإحاطي، مع أننا نجد خلافه في الأمثلة التالية، نقول: أدركت طعمه أو ريحه أو صوته، فهل هذه بمعنى أحطنا إحاطة تامة بها، أو أنه بمعنى مجرد الدرك بالأدوات المذكورة من غير اختصاص بصورة الإحاطة، مثل قولهم أدرك الرسول، فهل هو بمعنى الإحاطة بحياته أو يراد منه إدراكه مرة أو مرتين، ولم يفسره أحد من أصحاب المعاجم بما ذكره الرازي.
وحاصل الكلام: أن اللفظة إذا اقترنت ببعض أدوات الادراك كالبصر والسمع يحمل المعنى الكلي أي اللحوق والوصول، على الرؤية والسماع، سواء كان الادراك على وجه الإحاطة أو لا، وأما إذا تجردت