رؤية الله في ضوء الكتاب والسنة والعقل - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٥٩
في اللغة بمعنى الرؤية، فرد عليه بأنه ليس بمعنى الرؤية، بشهادة أنه سبحانه جمع في الآية بين إثبات الرؤية ونفي الدرك، ولكنه غفل عن أن مبدأ الاستدلال ليس ذلك، وقد قلنا سابقا: إن الادراك في اللغة بمعنى اللحوق والوصول وليس بمعنى الرؤية ابتداء، وإنما يتعين في النظر والرؤية حسب المتعلق، ولأجل ذلك لو جرد عن المتعلق - كما في الآية - لا يكون بمعنى الرؤية، ولذلك جمع فيها بين الرؤية ونفي الدرك، لأن الدرك هناك بحكم عدم ذكر المتعلق كالبصر، بمعنى اللحوق والوصول، فقد وقع الترائي بين الفريقين، ورأى فرعون وأصحاب بني إسرائيل، ولكن لم يدركوهم أي لم يلحقوهم.
وعلى ضوء ذلك إذا جرد عن المتعلق مثل البصر والسمع يكون بمعنى اللحوق، وإذا اقترن بمتعلق مثل البصر يتعين في النظر والرؤية، لكن على وجه الاطلاق من غير تقيد بالإحاطة.
فبطل قوله: بأن الادراك يدل على معنى زائد على النظر وهو الإحاطة، بل الادراك مجردا عن القرينة لا يدل على الرؤية أبدا، ومع اقتران القرينة ووجود المتعلق يدل على الرؤية والنظر على وجه الاطلاق من غير نظر إلى الفرد الخاص من الرؤية.
وبذلك يظهر أن ما أطنب به الرازي في كلامه لا يرجع إلى شئ، حيث قال:
لا نسلم إن إدراك البصر تعبير عن الرؤية، بل هو بمعنى الإحاطة، فالمرئي إذا كان له حد ونهاية وأدركه البصر بجميع حدوده وجوانبه ونهاياته صار كأن ذلك الإبصار إحاطة به فسمى هذه الرؤية إدراكا، أما إذا لم يحط البصر بجوانب المرئي لم تسم تلك الرؤية إدراكا،
(٥٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 ... » »»