رؤية الله في ضوء الكتاب والسنة والعقل - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٤٨
أخذتهم الرجفة قال رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء أنت ولينا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خير الغافرين) (الأعراف / 155).
فالمتدبر في هذه الآيات يقضي بأن القرآن الكريم يستعظم الرؤية ويستفظع سؤالها ويقبحه ويعد الإنسان قاصرا عن أن ينالها على وجه ينزل العذاب عند سؤالها.
فلو كانت الرؤية أمرا ممكنا ولو في وقت آخر، لكان عليه سبحانه أن يتلطف عليهم بأنكم سترونه في الحياة الآخرة لا في الحياة الدنيا، ولكنا نرى أنه سبحانه يقابلهم بنزول الصاعقة فيقتلهم ثم يحييهم بدعاء موسى، كما أن موسى لما طلب الرؤية وأجيب بالمنع تاب إلى الله سبحانه وقال: أنا أول المؤمنين بأنك لا ترى.
فالإمعان بما ورد فيها من عتاب وتنديد، بل وإماتة وإنزال عذاب، يدل بوضوح على أن الرؤية فوق قابلية الإنسان، وطلبه لها أشبه بالتطلع إلى أمر محال، فعند ذلك لو قيل للمتدبر في الآيات إنه روى قيس بن أبي حازم أنه حدثه جرير وقال: خرج علينا رسول الله ليلة البدر فقال: إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا لا تضامون في رؤيته (1)، يجد الحديث مناقضا لما ورد في هذه الآيات ويشك أنه كيف صار الأمر الممتنع أمرا ممكنا، والإنسان غير المؤهل على الرؤية مؤهلا لها.
إن هنا محاولتين للتخلص من التضاد الموجود بين الآيات،

(1) البخاري، الصحيح 4: 200.
(٤٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 ... » »»