فمن تلا هذه الآيات وتدبر فيها يحكم بأنه سبحانه فوق أن يقع في وهم الإنسان وفكره ومجال بصره وعينه، وعند ذلك لو قيل له: إنه جاء في الأثر: إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون هذا (البدر) لا تضامون في رؤيته (1).
فسيجد أن هذا الكلام يناقض ما تلا من الآيات أو استمع إليها، وسيشكك ويقول: إذا كان الخالق البارئ الذي هو ليس بجسم ولا جسماني، لا يحويه مكان ومحيط بالسماوات والأرض، فكيف يرى يوم القيامة كالبدر في جهة خاصة وناحية عالية مع أنه كان ولا علو ولا جهة، بل هو خالقهما، وأين هذه الرؤية من وصفه سبحانه بأنه لا يحويه مكان ولا يقع في جهة وهو محيط بكل شئ؟!
ولا يكون هذا التناقض بين الوصفين بأقل من التناقض الموجود في العقيدة النصرانية من أنه سبحانه واحد وفي الوقت نفسه ثلاثة.
وكلما حاول القائل بالرؤية الجمع بين العقيدتين، لا يستطيع أن يرفع التعارض والاصطدام بين المعرفتين في أنظار المخاطبين بهذه الآيات والرواية، ومن جرد نفسه عن المجادلات الكلامية والمحاولات الفكرية للجمع بين المعرفتين يرى التعريفين متصادمين، فأين القول بأنه سبحانه بعيد عن الحس والمحسوسات منزه عن الجهة والمكان محيط بعوالم الوجود، وفي نفس الوقت تنزله سبحانه منزلة الحس والمحسوسات، واقعا بمرأى ومنظر من الإنسان يراه ويبصره كما يبصر