ولنلاحظ ناحية أخرى فان عليا لو ظفر بجماعة توافقه على دعواه وتشهد له بالنصوص النبوية المقدسة وتعارض انكار الفئة الحاكمة كان معنى ذلك أن ترفض هذه الجماعة خلافة أبي بكر وتتعرض لهجوم شديد لكيانه السياسي إلى حد بعيد فإنه لا يسكت عن هذا اللون من المعارضة الخطرة فمجاهرة علي بالنص كانت تجره إلى المقابلة العملية وقد عرفنا سابقا انه لم يكن مستعدا لا علان الثورة على الوضع القائم والاشتراك مع السلطات المهيمنة في قتال.
ولم يكن للاحتجاج بالنص اثر واضح من أن تتخذ السياسة الحاكمة احتياطاتها وأساليبها الدقيقة لمحو تلك الأحاديث النبوية من الذهنية الاسلامية لأنها تعرف حينئذ ان فيها قوة خطر على الخلافة القائمة ومادة خصبة لثورة المعارضين في كل حين.
واني اعتقد أن عمر لو التفت إلى ما تنبه اليه الأمويون بعد أن احتج الامام بالنصوص في أيام خلافته واشتهرت بين شيعته من خطرها لاستطاع أن يقطعها من أصولها ويقوم بما لم يقدر الأمويون عليه من اطفاء نورها وكان اعتراض الامام بالنص في تلك الساعة ينبهه إلى ما يجب أن ينتهجه من أسلوب فأشفق على النصوص المقدسة أن تلعب بها السياسة وسكت عنها على مضض واستغفل بذلك خصومه حتى أن عمر رضي الله تعالى عنه نفسه صرح بأن عليا هو ولي كل مؤمن ومؤمنة بنص النبي صلى الله عليه وآله (1).
ثم ألم يكن من المعقول ان يخشى الامام على كرامة حبيبه وأخيه رسول الله صلى الله عليه وآله أن تنتقض وهي أغلى عنده من كل نفيس - إذا جاهر بنصوص النبي صلى الله عليه وآله وهو لم ينس موقف الفاروق من رسول الله صلى الله عليه وآله حين طلب دواة ليكتب كتابا لا يضل الناس بعده أبدا، فقال عمر: ان النبي ليهجر أو قد غلب عليه الوجع (2)، وقد اعترف فيما بعد لابن عباس ان رسول الله صلى الله عليه وآله كان يريد أن يعين عليا للخلافة وقد صده عن ذلك خوفا من الفتنة (3).
وسواء أكان رسول الله صلى الله عليه وآله يريد أن يحرر حق علي في الخلافة أولا فان المهم ان نتأمل موقف عمر من طلبه فهو إذا كان مستعدا لاتهام النبي صلى الله عليه وآله وجها لوجه بما ينزهه عنه نص القرآن وضرورة الاسلام خوفا من الفتنة فما الذي يمنعه عن اتهام آخر له بعد وفاته مهما تلطفنا في تقديره فلا يقل عن دعوى أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم يصدر عن أمر الله في موضوع الخلافة