ولكن السمة المميزة في هذا الدليل، انه لا يسلط الشعاع على المعلول بما هو معلول فقط، بل بما هو معلول متناسق منظم، لا قصور فيه ولا تشويش، يؤدي من خلال تناسقه وتنظيمه، وعدم قصوره وعدم تشويشه، غاية معينة، ومنفعة محددة ولعله لتميزه بهذه الزيادة، خصه ابن رشد بالحكماء أو العلماء، تمييزا لهم عن الجمهور، الذين يكتفون في مقام الاستدلال، بتسليط الشعاع على المعلول بما هو كذلك، قانعين من المعرفة، بما يبتني منها على الحس الساذج، من دون تعمق ولا تبصر.
ب - دليل الاختراع:
وينسب هذا الدليل أيضا، إلى ابن رشد الفيلسوف، وهو عند فيلسوفنا هذا أقرب الأدلة إلى مدارك الجمهور (1).
وملخص دليل الاختراع هو أن هذا الكون بما فيه مصنوع ومخترع، وكل مصنوع ومخترع لا بد له من صانع ومخترع. فالكون بما فيه لا بد له من صانع ومخترع.
والظاهر، أن ابن رشد، يريد بهذا الدليل الإشارة إلى الفطرة المركوزة في كل إنسان، والتي تحتم عليه الجزم، بلا بدية الأسباب للمسببات، وباستحالة وجود المعلول من دون علة تقتضي وجوده.
والذي يؤيد هذا قوله في كتابه مناهج الأدلة بأن هذا الذي ذكرناه موجود بالقوة في جميع فطر الناس (2).