ولا إشكال في أن إعمال هذه القدرة، يقتضي أن يكون سبحانه قادرا على جميع أنواع المقدورات. ومن كل نوع على ما لا يتناهى، وهذا يوجب أن يكون في مقدوره من الحسن ما يستغني به عن القبيح....
ولا إشكال - أيضا - في أن من كان قادرا على أن يستغني بالحسن، لا يختار القبيح أبدا.
ويمكن أن نمثل لذلك بالإنسان، ولا ضير في هذا التمثيل، كما نبهنا سابقا (لأن طرق الأدلة لا تختلف شاهدا أو غائبا) فإن من الواضح أن (من استغنى بماء الفرات عن اغتصاب شربة من ماء الغير، بأن يكون على الشاطئ، فإنه قط لا يغصب تلك الشربة من غيره، ولا وجه له إلا استغناؤه بالحسن عن القبيح). الذي هو الغصب.
الدليل الثالث إننا - وكلامنا مع الإلهيين - لو جوزنا الظلم على الله، وهو قبيح عقلا، لوجب أن يصدر عنه جميع أنواع القبائح، لأنه لا تخصيص في نظر العقل بالنسبة لحكم الأمثال.
وعليه، وجب أن يصدر عنه الكذب، وحينئذ لا يمكن الاطمئنان إلى شئ مما يصدر عنه، من وعده المطيعين بالثواب، ووعيده للعاصين بالعقاب، ويجوز حينئذ أن يعذب المطيعين ويثيب المجرمين. بل لا يمكن الاطمئنان إلى شئ مما ورد في كتابه وجرى على لسان رسوله. وفي هذا ما فيه من وجود معذر لعدم عبادته من قبل الإنسان...
بعد هذا كله، يتضح أنه لا بد من الالتزام بحكم العقل بعدل الله سبحانه، وعدم تجويز أي ظلم عليه تعالى عن ذلك علوا كبيرا.