أ - تمهيد:
لقد تبين من بحوثنا السابقة، ضرورة فرض علة أولى لهذا الكون، بكل مظاهره وأشكاله الحية وغير الحية. بعد بيان استحالة وجوده بالاتفاق والمصادفة.
وقد أدرك الإنسان منذ وجد على هذه الأرض، هذه الحقيقة بفطرته المركوزة في أعماق أعماقه. وأنجدته السماء برحمتها، فكانت النبوات التي قادت هذا الإنسان ووجهته، نحو تلك العلة، نحو الله.
ولكنه كان يتخبط في سيره لاستكناه سرها واستكشاف حقيقتها. وتتأرجح الصورة أمامه، فيضيع في محيط خيالاته وأوهامه، كلما انقطع عنه مدد السماء، في فترات متعددة ومتطاولة من الزمان، بعد أن تنطفئ في طريقه تلك الشموع التي تنير له الدرب:
النبوات.
ولذا نراه قد عبد في تلك الفترات، ما ظن أنه تلك القوة والعلة، مما أحاط به من مظاهر التسلط المتمثل في حيوان تارة، ونبات أخرى، وفي ظواهر كونية كالرعد والبرق والمطر ثالثة، وفي كواكب وأجرام، كانت تبهر ناظريه صباح مساء، فتفعل فيه فعل السحر، فلا يملك نفسه من أن يسجد لها مؤلها، فكان الشرك.
وقد ابتدأ الشرك أول ما ابتدأ، بعبادة أوثان وأصنام، كان يصنعها الإنسان بيديه، على شكل هذا الحيوان أو ذاك، وهذا الطائر أو ذاك، وهذه الشمس أو ذاك القمر، وهكذا في كل بقاع الأرض، وعلى امتداد وجود الإنسان، وعلى اختلاف الحضارات وتنوعها، تعددت صور المعبود،