دراسات في العقيدة الإسلامية - محمد جعفر شمس الدين - الصفحة ١٢٣
في حين نرى الإنسان يتناول طعامه بتصنيعه بالشكل الذي يتناسب مع ذوقه ورغبته، فيعدل فيه ويحور ويخترع أصنافا جديدة منه، بمزج أنواع عديدة، وبمقادير مركزة ومحددة، مستعملا في ذلك إضافة إلى عقله وحسه، ما يبتكره من آلات ومواد.
أضف إلى ذلك كله، أن للحيوان سلوكا واحدا مكرورا، في كيفية تناوله لطعامه، فهو اما أن يتناوله بطريق الرعي دائما، أو عن طريق التقطيع بأنيابه ومخالبه، أو مخالبه فقط، أو بطريق الازدراد بلا مضغ ولا تقطيع، أو غير ذلك باختلاف الحيوان.
في حين ان الإنسان ليس له سلوك معين في مقام تناوله الطعام. فليس يختلف فرد عن فرد في سلوكه نحو الطعام فحسب، بل يختلف الفرد الواحد ما بين مرة ومرة وحالة وحالة فهو تارة معجل يأكل طعامه نهشا. وتارة مستلق يأكل على مهل وروية. وتارة يتأنق فيه تأنقا، فيأكل بأدوات أنيقة وصحاف مزخرفة وعلى مائدة منسقة، بعد عناية زائدة بالغسل والإعداد، وطريقة التقديم.
ومن ناحية أخرى، فإن الحيوان إنما يكف عن الطعام بدافع غريزي محض من دون وعي ولا إدراك، في حين نجد لدى الإنسان الضابط المدرك والواعي الذي يجعل لديه القدرة على التحكم في نفسه من حيث تناول طعامه، حتى يصل حد التخمة، أو يصوم عنه حتى يصل حد الهلاك.
ومن جهة خامسة، نجد أن الحيوان يتوجه نحو طعامه بشكل غريزي، ويتناوله بشكل غريزي، ويكف عنه بشكل غريزي أيضا بلا هدف واع ولا مدرك.
في حين أن للإنسان من وراء تناوله للطعام، هدفا واضحا.
(١٢٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 118 119 120 121 122 123 124 125 128 129 130 ... » »»