خلاصة علم الكلام - الدكتور عبد الهادي الفضيلي - الصفحة ١٦٩
النظر في هذا الحديث وجدنا فيه نوعا من الغرابة، أو نوعا من الطرافة.
وطرافته أو غرابته آتية من أنه مربك للجبريين، ومربك للاختياريين، ومربك للكسبيين.
فصدره يتجه للجبر، وفيما يتلو يأمر بالعمل، وينتهي الحديث بآية قرآنية ترشد إلى أن تيسير الله الصراط المستقيم للانسان انما هو مترتب على الاحسان والتقوى والتصديق بالحسنى.
ولكن الحديث في جملته لا يرشد الا إلى الاستسلام لله (1).
الموازنة:
يرجع الخلاف في المسألة إلى مفارقات وقعت في منهج البحث، تمثلت في التالي:
1 - ما يبدو ظاهرا من تناف بين دلالات الآيات القرآنية الواردة في موضوع فعل الانسان.
فقد رأينا أن المجبرة استدلوا بالآية الكريمة: (وان تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وان تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله) - النساء 78 -.
وفي مقابلها يستدل نفاة الجبر بالآية التي تليها وهي:
(ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك) - النساء 79 -.
والمفارقة المنهجية هنا هي: أن يستدل بهاتين الآيتين على فعل الانسان وهما لا علاقة لهما به.
وذلك أن الحسنة والسيئة لم تستعملا بما لهما من مصطلح ترسخ مدلوله العلمي بعد عصر النزول وهو الطاعة والمعصية.
وانما استعملتا بما لهما من معنى لغوي آخر، ومن المعلوم أن اللفظ إذا كان له أكثر من معنى لغوي يرجع في تعيين المقصود منه إلى القرائن المحتفة به سياقا أو غيره.
والحسنة والسيئة كما تطلقان في اللغة على الطاعة والمعصية تستعملان أيضا في

(١) ص ١٢٣ - 124.
(١٦٩)
مفاتيح البحث: الكرم، الكرامة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 164 165 166 167 168 169 170 171 172 173 174 ... » »»