خلاصة علم الكلام - الدكتور عبد الهادي الفضيلي - الصفحة ١١٦
والقول بالبداء يوجب انقطاع العبد إلى الله وطلبه إجابة دعائه منه وكفاية مهماته، وتوفيقه للطاعة، وابعاده عن المعصية.
فان انكار البداء والالتزام بان ما جرى به قلم التقدير كائن لا محالة - دون استثناء - يلزمه يأس المعتقد بهذه العقيدة عن إجابة دعائه، فان ما يطلبه العبد من ربه إن كان قد جرى قلم التقدير بانفاذه فهو كائن لا محالة، ولا حاجة إلى الدعاء والتوسل، وإن كان قد جرى القلم بخلافه لم يقع أبدا، ولم ينفعه الدعاء ولا التضرع، وإذا يئس العبد من إجابة دعائه ترك التضرع لخالقه، حيث لا فائدة في ذلك.
وكذلك الحال في سائر العبادات والصدقات التي ورد عن المعصومين (ع) أنها تزيد في العمر أو في الرزق أو غير ذلك مما يطلبه العبد.
وهذا هو سر ما ورد في روايات كثيرة عن أهل البيت (ع) من الاهتمام بشأن البداء.
فقد روى الصدوق في كتاب (التوحيد) باسناده عن زرارة عن أحدهما (يعني الامامين الباقر والصادق) (ع) قال: ما عبد الله عز وجل بشئ مثل البداء).
وروي باسناده عن محمد بن مسلم عن أبي عبد الله (ع): قال:
ما بعث الله عز وجل نبيا حتى يأخذ عليه ثلاث خصال :
الاقرار بالعبودية.
وخلع الأنداد.
وأن الله يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء.
والسر في هذا الاهتمام أن إنكار البداء يشترك بالنتيجة مع القول بأن الله غير قادر على أن يغير ما جرى عليه قلم التقدير، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
فان كلا القولين يؤيس العبد من إجابة دعائه، وذلك يوجب عدم توجهه في طلباته إلى ربه (1).

(1) البيان 414 - 415.
(١١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 111 112 113 114 115 116 117 118 119 120 121 ... » »»