فالوحي (بالرؤيا) كان بالذبح ثم تغير الذبح إلى الفداء، وهذا لا يتأتى توجيهه الا على القول بالبداء، وهو واضح.
ومنه ما في قصة قتل الخضر الغلام في قوله تعالى: (وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يرهقهما طغيانا وكفرا) - الكهف 80 -.
يقول البيضاوي: وانما خشي ذلك لأن الله تعالى أعلمه (1).
ويقول الهادي الزيدي: انه لو لم يقتل (الخضر الغلام) لعاش (الغلام) قطعا حتى يرهق أبويه طغيانا وكفرا كما أخبر عنه الله عز وجل (2).
فلو لم يقل بالبداء هنا لاستلزم الأمر تغير علمه تعالى عن ذلك.
وفيما يترتب على الايمان بالبداء من آثار اعتقادية وعلمية يقول استاذنا السيد الخوئي:
والبداء انما يكون في القضاء الموقوف المعبر عنه بلوح المحو والاثبات.
والالتزام بجواز البداء فيه لا يستلزم نسبة الجهل إلى الله سبحانه، وليس في هذا الالتزام ما ينافي عظمته وجلاله.
فالقول بالبداء هو الاعتراف الصريح بأن العالم تحت سلطان الله وقدرته في حدوثه وبقائه، وأن إرادة الله نافذة في الأشياء أزلا وأبدا.
بل وفي القول بالبداء يتضح الفارق بين العلم الإلهي وبين علم المخلوقين.
فعلم المخلوقين - وان كانوا أنبياء أو أوصياء - لا يحيط بها أحاط به علمه تعالى، فان بعضا منهم وإن كان عالما - بتعليم الله إياه - بجميع عوالم الممكنات لا يحيط بما أحاط به علم الله المخزون الذي استأثر به لنفسه، فإنه لا يعلم بمشيئة الله تعالى - لوجود شئ - أو عدم مشيئته الا حيث يخبره الله تعالى به على نحو الحتم.