أو أن المقصود في الدعاء الاستشهاد بالآية الكريمة في أن هناك محوا واثباتا، وليس قوله (أم الكتاب) من موضع الشاهد أو الاستشهاد، وانما ذكر لأنه تتمة الفقرة من الآية الكريمة.
فلا يتوجه نقد كنعان، ويبقى الدعاء دالا على البداء.
وأولى من ذلك أن نقول: إنه ورد في القرآن الكريم ما يدل على البداء المروي عن أهل البيت (ع) كما في الآية الكريمة: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا)، فان الآية قد تفسر بان الله تعالى حينما قال: (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وان يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون):
إنه لم يكن يعلم بأن في المسلمين ضعفا يمنعهم من أن يقابل العشرون منهم المائتين من الكافرين، والمائة الألف، ثم علم بعد ذلك فخفف عنهم بما أنزله من قوله تعالى: (فان يكن مائة صابرة يغلبوا مائتين، وان يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين).
لكن هذا لا يصح بأي وجه من الوجوه لأنه يستلزم نسبة الجهل اليه تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
وعليه:
لا يتأتى أن يفسر قوله تعالى (علم) بما ينفي شبهة الجهل المشار اليه الا في ضوء البداء.
بمعنى ان الله أبدى وأظهر ما كان يكنه من علمه الخاص الذي لم يطلع عليه رسول (ص) فاستبدل بالأمر أمرا.
ومن البداء القرآني: ما جاء في قصة فداء النبي إسماعيل حيث قال تعالى: (فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين. فلما أسلما وتله للجبين. وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا إنا كنا كذلك نجزي المحسنين. ان هذا لهو البلاء المبين. وفديناه بذبح عظيم) - الصافات 102 107..