حوار في العمق من أجل التقريب الحقيقي - صائب عبد الحميد - الصفحة ٧٨
تلك إذن كانت مرحلة طويلة وسعي حثيث ثبت فيه حديث كثير..
قال الشيخ محمد حسين الذهبي: " كان مبدأ ظهور الوضع في الحديث سنة 41 ه‍، ولكن فشو الوضع وتفاقم خطره كان في عصر التابعين " (1).
ثم جاء اللاحقون من أهل التدوين والجرح والتعديل فاعتمدوا على ما ثبت في ذلك العهد من أحاديث وأخبار مدونة أو مروية يتناقلها الناس - وفيهم الثقات وأهل العلم - على أنها أحاديث صحيحة، فقبلوها وصححوها وأدخلوها في دواوينهم، فصاروا ينظرون إلى كل ما خالفها على أنه حديث منكر، ومن أكثر منه صار عندهم في عداد الوضاعين!!
إنها حقيقة يؤيدها التاريخ بكل جزئياته.. وهي الحقيقة التي تنسجم تماما مع ما سيأتي ذكره حول تدوين التاريخ.. وإنها بلا شك حقيقة مرة.. ولا بد أن نتجرع مرارتها فنحاكم تلك القواعد الخاطئة حتى يتسنى لنا معرفة الغث من السمين، والوقوف على تراثنا الإسلامي في صورته الناصعة.
- ومن ناحية أخرى ظهر اتجاه معاكس في الوضع..
إنه اتجاه الفرق الغالية..
فقد تعددت الفرق الغالية في ذلك العهد، وظهر معها كم كبير من الحديث الموضوع الذي نسبوا أكثره إلى الأئمة من أهل البيت عليهم السلام، وأكثر حديثهم كان: في فضائل أهل البيت بما يتضمن المغالاة فيهم، وفي مطاعن خصومهم، وفي العقائد المنحرفة التي أتى بها هؤلاء الغلاة.
وفي هذه الميادين جميعا أكثروا من الحديث الموضوع ونسبوه إلى أهل

(1) الإسرائيليات في التفسير والحديث: 27.
(٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 ... » »»