وعلى هذا اتفق علماء السير، كما قال سبط ابن الجوزي في التذكرة: 12.
وفي وسع الباحث أن يستنتج ما بيناه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي عليه السلام: كذبوا، ولكن خلفتك لما ورائي. فيما أخرجه ابن إسحاق بإسناده عن سعد بن أبي وقاص، قال: لما نزل رسول الله الجرف طعن رجال من المنافقين في إمرة علي عليه السلام وقالوا: إنما خلفه استثقالا. فخرج علي فحمل سلاحه حتى أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجرف، فقال: يا رسول الله! ما تخلفت عنك في غزاة قط قبل هذه، قد زعم المنافقون أنك خلفتني استثقالا؟
فقال: كذبوا، ولكن خلفتك لما ورائي، الحديث (1).
ومما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم حين أراد أن يغزو أنه قال: ولابد من أن أقيم أو تقيم، فخلفه (2).
إذا عرفت ذلك كله فلا يذهب عليك أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم: لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي ليس له مغزى إلا خصوص هذه الواقعة، وليس في لفظه عموم يستوعب كل ما غاب صلى الله عليه وآله وسلم عن المدينة، فمن الباطل نقض الرجل باستخلاف غيره على المدينة في غير هذه الواقعة، حيث لم تكن فيه ما أوعزنا إليه من الإرجاف، وكانت حاجة الحرب أمس إلى وجود أمير المؤمنين عليه السلام، حيث لم يكن غيره كمثله يكسر صولة الأبطال، ويغير في وجوه الكتائب، فكان صلى الله عليه وآله وسلم في أخذ أمير المؤمنين معه إلى الحروب واستخلافه في مغيبه يتبع أقوى المصلحتين.
ثم: إن الرجل حاول تصغيرا لصورة هذه الخلافة، فقال: وعام تبوك ما كان الاستخلاف... إلخ!