تنزيه الشيعة الإثني عشرية عن الشبهات الواهية - أبو طالب التجليل التبريزي - ج ١ - الصفحة ٥٥
وبقيت أحكام كثيرة لم تحصل الدواعي والبواعث لبيانها، إما لعدم الابتلاء بها في عصر النبوة، أو لعدم اقتضاء المصلحة لنشرها.
والحاصل أن حكمة التدريج اقتضت بيان جملة من الاحكام وكتمان جملة، ولكنه سلام الله عليه أودعها عند أوصيائه، كل وصي يعهد به إلى الآخر لينشره في الوقت المناسب له حسب الحكمة من عام مخصص، أو مطلق مقيد، أو مجمل مبين، إلى أمثال ذلك، فقد يذكر النبي عاما ويذكر مخصصه بعد برهة من حياته، وقد لا يذكره أصلا بل يودعه عند وصيه إلى وقته.
ثم إن الأحاديث التي نشرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حياته قد يختلف الصحابة في فهم معانيها على حسب اختلاف مراتب أفهامهم وقرائحهم ﴿أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها﴾ (1).
ولكن تأخذ الأذهان منه على قدر القرائح والفهوم ثم إن الصحابي قد يسمع من النبي في واقعة حكما ويسمع الآخر في مثلها خلافه، وتكون هناك خصوصية في أحدهما اقتضت تغاير الحكمين، غفل أحدهما عن الخصوصية أو التفت إليها وغفل عن نقلها مع الحديث، فيحصل التعارض في الأحاديث ظاهرا، ولا تنافي واقعا.
ومن هذه الأسباب وأضعاف أمثالها احتاج حتى نفس الصحابة - الذين فازوا بشرف الحضور - في معرفة الاحكام إلى الاجتهاد والنظر في الحديث، وضم بعضه إلى بعض، والالتفات إلى القرائن الحالية، فقد يكون للكلام ظاهر ومراد النبي خلافه اعتمادا على قرينة كانت في المقام، والحديث نقل والقرينة لم تنقل.

(١) الرعد ١٣: 17.
(٥٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 ... » »»