بحوث قرآنية في التوحيد والشرك - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١١٩
وقال الرضي في نهج البلاغة: لما فرغ أمير المؤمنين " عليه السلام " من تغسيل النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " قال كلاما وفي آخره: بأبي أنت وأمي طبت حيا وطبت ميتا أذكرنا عند ربك. (1) إن كلام الإمام يدل على عدم الفرق في طلب الشفاعة من الشفيع في حين حياته وبعد وفاته، وقد كان الصحابة يطلبون الدعاء من النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " بعد وفاته.
وتصور أن طلب الشفاعة من الشفيع الواقعي شرك تصور خاطئ، فإن المراد من الشرك في المقام هو الشرك في العبادة، وقد علمت أن مقومه هو الاعتقاد بألوهية المدعو أو ربوبيته أو كون مصير العبد بيده، وليس في المقام من ذلك شئ.
إن طالب الشفاعة من الشفعاء الصالحين - الذين أذن الله لهم بالشفاعة - إنما يعتبرهم عبادا لله مقربين لديه، وجهاء فيطلب منهم الدعاء، وليس طلب الدعاء من الميت عبادة له، وإلا لزم كون طلبه من الحي عبادة لوحدة واقعية العمل.
وقياس طلب الشفاعة من النبي " صلى الله عليه وآله وسلم " بطلب الوثنيين الشفاعة من الأصنام قياس مع الفارق، لأن المشركين كانوا على اعتقاد بألوهية معبوداتهم وربوبيتها، وأين هذا من طلب الموحد الذي لا يراه إلها ولا ربا ولا من بيده مصير حياته؟! وإنما تعتبر الأعمال بالنيات لا بالصور والظواهر.

1. نهج البلاغة: رقم الخطبة 23.
(١١٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 114 115 116 117 118 119 120 121 122 123 124 ... » »»