الصحيفة الثالثة في تحقيق السبب الذي دعا أمير المؤمنين عليه السلام إلى اختراع أصول علم النحو وتحديد حدوده وتحقيق السبب الذي دعا أبا الأسود إلى ما رسمه من النحو لأن الناس اختلفوا في المقامين وذكروا في المقام الأول وجوها، أحدها ما ذكره ابن الأنباري في خطبة شرح سيبويه قال:
إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع يوما قارئا يقرأ إن الله بريء من المشركين ورسوله بجر لام الرسول فغضب صلى الله عليه وآله وسلم وأشار إلى أمير المؤمنين علي عليه السلام: إنح النحو واجعل له قاعدة، وامنع من مثل هذا اللحن، فطلب أمير المؤمنين أبا الأسود الدؤلي وعلمه العوامل والروابط وحصر كلام العرب وحصر الحركات الإعرابية والبنائية، وكان أبو الأسود كيسا فطنا ذهنا فألف ذلك وإذا أشكل عليه شيء راجع أمير المؤمنين عليه السلام ورتب وركب بعض التراكيب واتى به إلى خدمة أمير المؤمنين عليه السلام فاستحسنه وقال نعم ما نحوت - أي قصدت - فللتفاؤل بلفظ علي عليه السلام سمي هذا العلم نحوا، انتهى.
ولا يخفى أن لفظة النحو فيما ذكره من القصة إنما صدرت أولا من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا من كلام علي عليه السلام، كما قال ابن الأنباري، والمعلوم عند أهل العلم في وجه تسمية علم النحو هو ما قاله لا ما في هذه القصة الشبيهة بحكايات القصاصين، وأهل العلم بالأخبار لا يرون وقوع هذه القصة في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما تفرد بها ابن الأنباري فيما أعلم، لأني لم أعثر على من قصها قبله.