التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ٦٣
الرب بالمدبر والمتصرف، ففي هذه الصورة تكون الجملة الأخيرة مطلوبة، لأنها تكون - حينئذ - علة للجملة الأولى، فتعني هكذا: أن خالق الكون هو المتصرف فيه وهو المالك لتدبيره والقائم بإدارته.
ب - (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم) (البقرة - 21).
فإن لفظة الرب في هذه الآية ليست بمعنى " الخالق " وذلك على غرار ما قلناه في الآية المتقدمة المشابهة لما نحن فيه، إذ لو كان الرب بمعنى الخالق لما كان لذكر جملة (الذي خلقكم) وجه، بخلاف ما إذا قلنا بأن الرب يعني المدبر فتكون جملة (الذي خلقكم) علة للتوحيد في الربوبية، إذ يكون المعنى حينئذ هو: أن الذي خلقكم هو مدبركم.
ج - (قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شئ) (الأنعام - 164).
وهذه الآية حاكية عن أن مشركي عصر الرسالة كانوا على خلاف مع الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم في مسألة الربوبية على نحو من الأنحاء وأن النبي الأعظم كان مكلفا بأن يفند رأيهم ويبطل عقيدتهم ولا يتخذ غير الله ربا على خلاف ما كانوا عليه. ومن المحتم أن خلاف النبي مع المشركين لم يكن حول مسألة " التوحيد في الخالقية " بدليل أن الآيات السابقة تشهد في غير إبهام بأنهم كانوا يعترفون بأنه لا خالق سوى الله تعالى، ولذلك فلا مناص من الإذعان بأن الخلاف المذكور كان في غير مسألة الخالقية وليست هي إلا مسألة تدبير الكون، بعضه أو كله.
د - (ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين) (الأعراف - 172).
فقد أخذ الله في هذه الآية - من جميع البشر - الإقرار بالتوحيد الربوبي وكانت علة ذلك هي ما ذكره من أنه سيحتج على عباده بهذا الميثاق يوم القيامة كما يقول:
(٦٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 ... » »»