التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٨٠
ومع هذا كيف يقول صاحب المنار: " أولئك عن ذكر الله معرضون " ولو كان هذا النوع من الاستعانة موجبا لنسيان الله والغفلة عنه للزم أن تكون الاستعانة بالأسباب المادية الطبيعية هي أيضا موجبة للغفلة عنه.
على أن الأعجب من ذلك هو كلام شيخ الأزهر الشيخ محمود شلتوت الذي نقل - في هذا المجال - نص كلمات عبده دون زيادة ونقصان، وختم المسألة بذلك، وأخذ بظاهر الحصر في (إياك نستعين) غافلا عن حقيقة الآية وعن الآيات الأخرى المتعرضة لمسألة الاستعانة (1).
نقد نظر ثالث:
وهناك رأي آخر يتوسط بين الرأيين، وهو أنه تجوز الاستعانة بالأسباب الطبيعية في الحوائج الحيوية، ولا تجوز الاستعانة بالأسباب غير العادية إلا إذا كان بصورة التوسل والاستشفاع إلى الله سبحانه.
وهذا القول وإن كانت عليه مسحة من الحق ولمسة من الصدق إلا أنه ليس عينه.
فإن المنع عن الاستعانة بالأسباب غير العادية إذا لم يكن بكلا النحوين خاطئ فإنه إن كان لأجل كونه مستلزما للشرك، فالمفروض عدمه، إذ المستعين إنما يستعين، باعتقاد أن المستعان إنما يعين بالقدرة المعطاة له من الله سبحانه، ويعملها بإذنه ومشيئته. وطلب العون مع هذا الاعتقاد لا يستلزم الشرك. ومع فرضه فأي فرق بين الممنوع (طلب العون) والمجاز وهو التوسل والاستشفاع؟
وإن كان المنع لأجل عدم وجود القدرة فيهم على الإعانة، فهو مناقشة وهو

(1) راجع تفسير شلتوت: 36 - 39.
(١٨٠)
مفاتيح البحث: الصدق (1)، الجواز (2)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»