التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٧٩
ولكنه مدفوع، بأن إعطاء القدرة دليل على المأذونية في أعمالها في الجملة، إذ لا معنى لأن يعطيه الله القدرة ويمنعه عن الأعمال مطلقا، أو يعطيه القدرة ويمنع الغير عن طلب أعمالها.
ويكفي في الجواز، كون الأصل في فعل العباد، الجواز والإباحة، دون الحظر والمنع إلا أن ينطبق على العمل أحد العناوين المحرمة في الشرع.
وأخيرا نذكر القارئ الكريم بأن مؤلف المنار حيث إنه لم يتصور للاستعانة بالأرواح إلا صورة واحدة، لذلك اعتبرها ملازمة للشرك فقال:
" ومن هنا تعلمون: أن الذين يستعينون بأصحاب الأضرحة والقبور على قضاء حوائجهم وتيسير أمورهم وشفاء أمراضهم ونماء حرثهم وزرعهم، وهلاك أعدائهم وغير ذلك من المصالح هم عن صراط التوحيد ناكبون، وعن ذكر الله معرضون " (1).
ولا يخفى عدم صحته إذ الاستعانة بغير الله (كالاستعانة بالعوامل الطبيعية) على نوعين:
أحدهما: عين التوحيد، والآخر: موجب الشرك، أحدهما: مذكر بالله، والآخر:
مبعد عن الله.
إن حد التوحيد والشرك ليس هو كون الأسباب ظاهرية أو غير ظاهرية، إنما هو الاستقلال وعدم الاستقلال، هو الغنى والفقر، هو الأصالة وعدم الأصالة.
إن الاستعانة بالعوامل غير المستقلة المستندة إلى الله، التي لا تعمل ولا تؤثر إلا بإذنه تعالى ليس فقط غير موجبة للغفلة عن الله، بل هو خير موجه، ومذكر بالله. إذ معناها: انقطاع كل الأسباب وانتهاء كل العلل إليه.

(1) المنار: 1 / 59.
(١٧٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 ... » »»