النوعين من الاستعانة (الاستعانة بالعوامل الطبيعية والاستعانة بعباد الله الأبرار) أي فرق مطلقا.
فإذا كانت الاستعانة بالعباد الصالحين - على النحو المذكور - شركا لزم أن تكون الاستعانة في صورتها الأولى هي أيضا معدودة في دائرة الشرك، والتفريق بين (الاستعانة بالعوامل الطبيعية) و (الاستعانة بغيرها) إذا كانتا على وزان واحد وعلى نحو الاستمداد من قدرة الله وبإذنه ومشيئته، بكونها موافقة للتوحيد في أولى الصورتين، ومخالفة له في ثانية الصورتين، لا وجه له.
من هذا البيان اتضح هدف صنفين من الآيات وردا في مسألة الاستعانة:
الصنف الأول: يحصر الاستعانة بالله فقط ويعتبره الناصر والمعين الوحيد دون سواه.
والصنف الثاني: يدعونا إلى سلسلة من الأمور المعينة غير الله ويعتبرها ناصرة ومعينة، إلى جانب الله.
أقول: من البيان السابق اتضح وجه الجمع بين هذين النوعين من الآيات وتبين أنه لا تعارض بين الصنفين مطلقا، إلا أن فريقا نجدهم يتمسكون بالصنف الأول من الآيات فيخطئون أي نوع من الاستعانة بغير الله، ثم يضطرون إلى إخراج (الاستعانة بالقدرة الإنسانية والأسباب المادية) من عموم تلك الآيات الحاصرة للاستعانة بالله بنحو التخصيص بمعنى أنهم يقولون:
إن الاستعانة لا تجوز إلا بالله إلا في الموارد التي أذن الله بها، وأجاز أن يستعان فيها بغيره، فتكون الاستعانة بالقدرة الإنسانية والعوامل الطبيعية - مع أنها استعانة بغير الله - جائزة ومشروعة على وجه التخصيص، وهذا مما لا يرتضيه الموحد.
في حين أن هدف الآيات هو غير هذا تماما، فإن مجموع الآيات يدعو إلى أمر