التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٨٥
(وإنك لتدعوهم إلى صراط مستقيم) (المؤمنون - 73) (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم) (آل عمران - 61) ففي هذه الآيات وأمثالها استعملت لفظة الدعاء والدعوة في غير معنى العبادة ولهذا لا يمكن أن نعتبرهما مترادفتين. ولذلك فلو دعى أحد وليا أو نبيا أو رجلا صالحا، فإن عمله ذلك لا يكون عبادة له، لأن الدعاء أعم من العبادة وغيرها (1).
ثانيا - إن المقصود من الدعاء في مجموع الآيات (المذكورة في مطلع البحث هذا) ليس هو مطلق النداء، بل نداء خاص يمكن أن يكون - مآلا - مرادفا للفظ العبادة.
لأن مجموع هذه الآيات وردت حول الوثنيين الذين كانوا يتصورون بأن أصنامهم آلهة صغار قد فوض إليها بعض شؤون المقام الألوهي، ويعتقدون في شأنها بنوع من الاستقلال في التصرف والفعل.
ومعلوم أن الخضوع والتذلل أو أي نوع من القول والعمل أمام شئ باعتقاد أنه إله كبير أو إله صغير لكونه ربا أو مالكا لبعض الشؤون الإلهية، يكون عبادة.
لا شك أن خضوع الوثنيين ودعاءهم واستغاثتهم أمام أوثانهم كانت بوصف أن هذه الأصنام آلهة أو أرباب أو مالكة لحق الشفاعة، وباعتقاد أنها آلهة

(1) النسبة بين الدعاء والعبادة عموم وخصوص من وجه: ففي هذه الموارد يصدق الدعاء ولا تصدق العبادة، وأما في العبادة الفعلية المجردة عن الذكر كالركوع والسجود، فتصدق العبادة لأنها تقترن مع الاعتقاد بإلوهية المسجود له ولا يصدق الدعاء لخلوه عن الذكر اللفظي.
ويصدق كلا المفهومين: " الدعاء والعبادة " في أذكار الصلاة لأنها دعوة بالقول ناشئة عن الاعتقاد بإلوهية المدعو.
(١٨٥)
مفاتيح البحث: السجود (1)، الصّلاة (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 180 181 182 183 184 185 186 187 188 189 190 ... » »»