التوحيد والشرك في القرآن - الشيخ جعفر السبحاني - الصفحة ١٧٨
ونحو ذلك، ولكن قال: لا يدعى إلا الله وأن الأمور التي لا يقدر عليها إلا الله فلا تطلب إلا منه، مثل غفران الذنوب وهداية القلوب وإنزال المطر وإنبات النبات ونحو ذلك، فهذا مصيب في ذلك بل هذا مما لا نزاع فيه بين المسلمين أيضا كما قال تعالى:
(ومن يغفر الذنوب إلا الله) (آل عمران - 135) وقال: (إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء) (القصص - 56) وكما قال تعالى: (يا أيها الناس اذكروا نعمت الله عليكم هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض) فاطر - 3) وكما قال تعالى: (وما جعله الله إلا بشرى لكم ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله) (آل عمران - 126) وقال: (إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا) (التوبة - 40) (1).
فقد غفل ابن تيمية عن أن بعض هذه الأمور يمكن طلبها من غير الله مع الاعتقاد بعدم استقلال هذا الغير في تحقيقها، وهذا لا ينافي طلبها من الله مع الاعتقاد باستقلاله وغناه عمن سواه في تحقيقها.
نعم، لا تقع هذه الاستعانة مفيدة إلا إذا ثبتت قدرة غيره سبحانه على إنجاز الطلب ولكنه خارج عن محط بحثنا، فإن البحث مركز على كون هذا العمل شركا أو لا، وأما كون المستعان قادرا فالبحث عنه خارج عن هدفنا.
وربما يتوهم أنها لا تنفع أيضا إلا إذا ثبتت مأذونية الغير من قبله سبحانه في الإعانة، كما يتوقف على ذلك جواز أصل طلب العون، وإن كان غير شرك.

(١) مجموعة الرسائل الكبرى: لابن تيمية، الرسالة الثانية عشرة: 482.
(١٧٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 173 174 175 176 177 178 179 180 181 182 183 ... » »»